أسبوعان على الحالة الاستثنائية: كيف تصرّف الرئيس التونسي؟
بضعة أيام بعد الإجراءات المتخذة من قبل الرئيس التونسي، والتي أعلن من خلالها الحالة الاستثنائية وتركيز جميع السلطات بين يديه، كان الشعب التونسي، حسب استطلاعات الرأي، مؤيدًا بشدّة لهذه الإجراءات.
86 بالمائة من التونسيين والتونسيات يساندون ويساندن تجميد عمل البرلمان، حسب استطلاع آراء أجراه معهد «إمرود كنسلتنغ» بالشراكة مع قناة «التاسعة»، مقابل معارضة 6 بالمائة لها.
سمح هذا التأييد للرئيس باتخاذ إجراءات أكثر شدّة، وهو ما حصل، وأضفى مشروعية شعبية عليها، ما سمح له بتعديل موازين القوى داخل الساحة السياسية التونسية.
مؤشّرات لعودة الاستبداد؟
تمّ إقرار الدستور التونسي بصفة توافقية خلال سنة 2014 من قبل مجلس تأسيسي منتخب من قبل غالبية الشعب التونسي. أمّا اليوم، فيتمّ، وبإرادة فردية تلتحف بتأييد شعبي، «قبر» هذا الدستور والدخول في نظام دستوري جديد ضبابي الملامح.
فلا يخفى اليوم من خلال التصريحات والأعمال القانونية التي يقوم بها الرئيس قيس سعيّد أنّ النظام السياسي المؤقت، أي الذي يتمّ من خلاله تسيير الأمور خلال هذه الفترة الاستثنائية، لا صلة له بالنظام السياسي الذي تمّ التأسيس له بدستور 2014. نظام سياسي يميل أكثر إلى النظام الرئاسي، وربّما الرئاسوي، كما كانت عليه الحال تحت دستور 1959.
هذا النظام يعطي جميع السلطات للرئيس وحده. فهو الذي يعيّن الوزير الأوّل من دون مصادقة البرلمان عليه، وهو الذي يعيّن الوزراء ويتابع عملهم، وهم مسؤولون أمامه. وهو كذلك القائد الأعلى للقوات العسكرية والأمنية كما كان يقول دائماً، وله أيضاً من السلطات ما يمكن أن يجعل القضاء تحت إمرته.
أما الآن، وحتى يتمّ التأسيس من جديد للنظام الدستوري الذي يتخيّله قيس سعيّد، فإنّ الإجراءات التي هو بصدد اتخاذها تحيلنا إلى ماضٍ غير بعيد: ماضٍ لا مكان فيه لدولة تحترم الدستور.
يتأكّد لنا ذلك، خاصة من خلال الرجوع إلى النصوص القانونية التي اتخذها قيس سعيّد منذ 25 تموز. اتّخذت هذه النصوص شكل أوامر رئاسية سمح الرئيس قيس سعيّد لنفسه من خلالها بتعديل أحكام قانونية ودستورية، يفترض أن يكون تعديلها تباعًا من صلاحيات مجلس نواب الشعب والسلطة التأسيسية الفرعية.
تجاوز الرئيس كل هذه الأبجديات القانونية التي لطالما درّسها لطلبة السنة الأولى حقوق:
- عزل رئيس الحكومة وأعضاء منها بأمر رئاسي.1
- قام بعدد من التعيينات في الوظائف العليا من خلال أوامر رئاسية.2
- علّق أعمال مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن أعضائه بأمر رئاسي أيضًا.3
بدأ يتجلى تصوّر الرئيس لنظام رئاسي من خلال حذفه بصفة فعلية لخطّة وزير واستبدالها مبدئيًا بخطة مكلّف بالتسيير، وهي الحال بالنسبة للمكلفين بتسيير وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة تكنولوجيا الاتصال الذين تمّت تسميتهم/ن، ثم تأديتهم/ن لليمين الدستورية أمام الرئيس دون التصويت عليهم/ن في البرلمان.
أكثر من ذلك، استغل الرئيس ما ينفعه من دستور 2014 لخرق الدستور ذاته.
فصفته كالقائد الأعلى للقوات المسلحة (الفصل 77 من الدستور) تمنحه أيضًا رئاسة النيابة العسكرية التي من المفترض ألّا تختصّ سوى في القضايا التي تتعلق بالعسكريين. إلّا أنه في يوم 30 تموز، تحرّك القضاء العسكري من خلال إيقاف عدد من النواب (هم مدنيون ولا يدخلون في اختصاص القضاء العسكري) على خلفية تهم تتعلّق بانتقاد المؤسستين العسكرية والقضائية. هذا الضرب الصارخ لحرية التعبير ولمبدأ عدم خضوع المدنيين للمحاكم العسكرية وللضمانات القضائية التي نصّ عليها الدستور، يثير الخوف والريبة بخصوص المستقبل، خاصة وأنّ عددًا من القضاة أيضا قد تعرضوا إلى بعض المضايقات.
أولويّات الرئيس في التعامل مع الفاعلين المحليين والدوليين
منذ إعلانه لإجراءات الحالة الاستثنائية، لم يتعاطَ رئيس الجمهورية بالطريقة نفسها مع الفاعلين المحليين والدوليين. وهي إزدواجية تهدف إلى إكساء الإجراءات التي اتّخذها مشروعيةً جديدة على المستويين الداخلي والخارجي.
- منظمات المجتمع المدني:
جعل الرئيس «الجمعيات» من أول الفاعلين الذين أراد طمأنتهم. إذ اجتمع الرئيس مباشرة يعد إعلانه الحالة الاستثنائية مع مجموعتين من ممثلي وممثلات عدد من منظمات المجتمع المدني، وهي المنظمات التي شاركت في الحوار الوطني لسنة 2013، والتي يعود تأسيس أغلبها إلى ما قبل سنة 2011. لكنّ الرئيس لم يلتفت إلى الجمعيات والمنظمات التي تم تكوينها بعد 2011، بالرغم من أهمية بعضها، أو المنظمات الدولية الموجودة بتونس. إذ أن للرئيس سعيّد موقفاً معروفاً بخصوص هذين الصنفين من المنظمات، وهو يشكّك بشكل كبير في وطنيتها ويتّهمها بالتخابر. - الإعلام:
من الواضح أن الرئيس يحبذ الإعلام الأجنبي على الإعلام الوطني، إذ لم يقابل الرئيس منذ الإعلان عن الحالة الاستثنائية سوى ممثلين لجريدة نيويورك تايمز الأميركية. قبل ذلك بيوم، كان الرئيس قد أقال مدير عام التلفزة الوطنية لاستضافته ممثلين عن المجتمع المدني في إطار برنامج تلفزيوني يتناول الأحداث السياسية في تونس. - الأحزاب:
لم يقابل الرئيس أي حزب سياسي منذ 25 جويلية/ تموز بالرغم من دعم عدد من الأحزاب له. - العلاقات الدبلوماسية:
أثارت الإجراءات عدداً من المخاوف لدى بعض الفاعلين على المستوى الدولي. إلّا أن الرئيس لم يهتم إلا بمقابلة ممثلي بعض الدول التي تنخرط معه في المسار الذي اتخذه.
يبدو أنّ الرئيس يعرف ماذا يريد من الإجراءات التي اتّخذها، والهدف واضح في ذهنه وإن لم يفصح عنه بعد. إلّا أن طريقة إدارته للمرحلة التي تلت 25 تموز لم تعطِ مؤشرات واضحة على حسن نيته في «تصحيح مسار» الديمقراطية التونسية. فلا خارطة طريق ولا ضمانات بخصوص الحقوق والحريات. كما لم يتمّ إلى اليوم تعيين رئيس الحكومة الذي وعد الرئيس بتعيينه في أقرب وقت عند اتخاذه الإجراءات الاستثنائية.