أنظمة 4 آب

الساعة السادسة وبضع دقائق (ما زلت لا أذكر عددها)، قلتُ لنفسي لقد توقّف الوقت هنا. وقفتُ عاجزةً أمام التلفزيون، هاتفي في يدي، أنتظر جوابًا. ما الذي حصل؟ أين أصحابي؟ وين صارت بيروت؟ لم أشعر إلّا بتوقّف الوقت. كلُّ ما يدور في رأسي: 4 آب لن ينتهي. أكره بداية كلِّ شهرٍ جديد. أكره الرابع من كلِّ شهر. لا أريده أن يأتي. مرَّ عامٌ كاملٌ، ولكنني ما زلت أقفُ عاجزة، هاتفي في يدي، أنتظر جوابًا.

كنتُ بعيدةً عن موقع التفجير، فلم أسمح لنفسي بالغرق في مشاعر اعتبرتها ليست من حقّي. أولاً لأنني لم أتأذَّ جسديًّا، وثانيًا لأنني لستُ لبنانيّة. إلّا أنَّ خوفي أن أنفجر في أية لحظة كان أقوى مني بكثير لأنّه مألوفٌ بعض الشيء. كان شعورًا لازم طفولتي في دمشق، عندما أدركت حربًا خارج الشباك. كنت أخاف من دويّ التفجيرات التي اعتقدت أنني تركتها ورائي. دويٌّ سمعته في 4 آب. كنت بعيدةً ولكنَّ ضياع لحظات التفجير الأولى أيقظ في داخلي مقطتفاتٍ من طفولتي لم تفارقني، مشاهد من حرب النظام السوري على الشعب السوري.

شعرتُ بالخوف ذاته عندما كان هاتفي في يدي، وقرأتُ خبر تورّط النظام السوري في تدمير بيروت. عاد بي الخبر إلى الساعة السادسة في 4 آب. عاجزة، ولكن هذه المرّة مع جزءٍ من جواب لم أكن أريد أن أصدّقه. لم أرد أن أصدّق أنَّ هذا النظام قادرٌ أن يصل إليّ أينما ذهبت. لم يحرّرني الجواب من دويّ الانفجار. لم ينتشلني من الساعة السادسة. إلا أنّه أشعل في داخلي حقدًا لا يفارقني، أتنفّسه في كل لحظة. حقدٌ لا يسمح لي بالرحيل أو بالنسيان. لا يسمح لي إلا أن أحارب من يحاول أن يبقيني في 4 آب.

لا أتحدّث عن محاربة النظام (السوري أو اللبناني، في كتير أوجه شبه) عبر النشاط المنظّم والمجموعات الثوريّة. أتحدّث عن محاربته على الصعيد الخاص، في كلِّ مرةٍ يحاول أن يبقيني في الفراش أو يشعرني فيها بالذنب كلما وجدت نفسي أفكّر بشيءٍ غير حقدي تجاهه. كيف أحارب هذه الأنظمة؟ سؤالٌ يدور في رأسي كل يوم. أحيانًا أسأل نفسي لِمَ أحمل السلّم بالعرض. أتخيّل أنّني شخصيةٌ معارضة يائسة في دراما سوريّة تنتهي شخصيتها المعارضة اليائسة في داهيةٍ ما. لا أدري إن كانت نهايتي ستصبح مشابهة، ربّما يهزمني النظام يومًا ما، لكنّني لن أترك السلّم. لعلّه طبعي العنيد المزعج، لكنّه الشيء الوحيد القادر أن ينتشلني من صدى دويّ التفجيرات.

أدركتُ أنَّ استيقاظي يوميًا هو انتصارٌ صغيرٌ على هذا النظام وأنَّ السماح لنفسي بندب مجزرة 4 آب انتصارٌ صغيرٌ أيضًا. دوّنتُ بعض عباراتِ هذا المقال يوم وقوع التفجير لكنني لم أستطع أن أكمله حتّى اليوم. لعلّه الذنب الذي أحاول أن أتغّلب عليه، ولعلّه كسل. ربّما كتابتي لهذا المقال انتصارٌ صغيرٌ على النظام أيضًا، وربّما انتصارٌ على نفسي وعلى الحقد الذي يتجدّد في الرابع من كلِّ شهر.

لماذا نشعر نحن بالذنب؟ شعورٌ يلتهمنا في كلِّ لحظةٍ نسمح بها لأنفسنا بأن ننام، بأن نضحك، بأن نبتسم ونشرب ونتحلّى ونحبّ ونغضب ونبكي. ذنبٌ يلاحقنا إلى الفراش، يسألنا عن سببِ نجاتنا كلَّ يوم. لا أمتلك أجوبةً لأسئلة 4 آب لكنّني حتى عندما أغرق في تفاصيلها أُوقِنُ حقيقةً واحدة، أنَّ الحياة من حقّي، من حقّنا وليست من حقّهم. لِمَ علينا نحن أن نخاف؟ أن نرحل؟ أن نسقط؟

لا أريد أن أبقى في الساعة السادسة في 4 آب. لا أريد أن يظلَّ هاتفي في يدي، عاجزة، أجلس على الأرض، أنتظرُ جوابًا. لا أريد أن تبتلعني أنظمة 4 آب. أريدُ حياةً تتخطّى عتبة النجاة. لا أريد أن يعيش في داخلي إلى الأبد الخوف الذي أعاد إحياءه 4 آب. ما في للأبد.

تسويق سمير جعجع: ضعف المعارضة لا قوّته

تمكّن سمير جعجع بالأدوات نفسها التي يستعملها حزب الله كان المشهد كافياً لإحراج الكثير من الأطراف السياسيّة فباستثناء معارضة القوّات لسلاح حزب الله معارضة هشّة من هذا النوع هي تحديد اً ما يفتح الطريق الفارق الكبير طبعاً في حجم القوّة والقدرة

عن خوض المعارضة للعمل البرلماني

أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.