إعادة تسييس السياسة وتكنوقراطويّة السلطة
ضعوا السياسة جانباً
ضعوا السياسة جانباً… ودعونا نرَ كيف بإمكاننا إنقاذ البلد.
بهذه الجملة، وصف رئيس الوزراء نجيب ميقاتي مهمّته الآتية، مهمّته «اللاسياسية» للتوضيح، في مقابلة مع محطة سي. إن. إن.
لنفترض أنّ لديّ شخصَيْن متخصِّصَين… مهمّتي هي، رجاءً، ضعوا السياسة جانباً… ودعونا نرى كيف بإمكاننا إنقاذ البلد.
التكنوقراط
منذ الأيام الأولى لتحرّكات 17 تشرين، اتّجه خطاب السلطة نحو تجريد الحلول للأزمة من أي طابع سياسي، متداولًا كلمتَيْ «أخصّائيين» و«تكنوقراط» في كل مناسبة كالحل الوحيد لأزمتنا.
بهذا التعريف والتنميط للحلول، يصبح وزير الطاقة شخصاً مختّصاً بأمور الكهرباء والمحروقات فقط، وليس من المهم معرفة تموضعه السياسي أو خياراته السياسية.
مثلها مثل النظريات المؤامرتية ونظريات الحصار المتزايدة، والتي تعبّر عن إفلاس السلطة الفكري والتبريري، تغيّب هذه التكنوقراطوية الطابع السياسي لعملها، وبالتالي دور السياسات الاقتصادية والاجتماعية في حماية الشعب، ليزول الأخير من المعادلة. الحلول تقنية، ولا داعي للسياسة.
ضعوا السياسة جانبا…
حكومة «تكنو-سياسيّة»
لعلّ ذروة هذه التفرقة اللغوية ما بين السياسة والتقنية أتت عندما قام الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بطرح حكومة «تكنو-سياسية» في أواخر العام 2019. فالتفرقة القائمة بهذا المصطلح تقوم على مفهوم معيّن للعمل الحكومي: الجزء الأول تكنوقراطي، أي تقني ومختصّ بمجال عمل الوزارات. أمّا الثاني، فهو سياسي، والمقصود هنا الأحزاب السياسيّة التقليديّة. فينحصر «السياسي» بأحزاب السلطة، ليستولوا كليًّا على مفهوم السياسة.
تصبح الحكومة التكنو-سياسيّة نصفها سياسيّة، أي حزبيّة طائفيّة تقليديّة، ونصفها الثاني اختصاصياً مستقلاً، ولا دمج بينهما. بهذا المعنى، تكون السلطة قد احتكرت مفهوم «السياسة»، بما هي سياسة أحزاب الزعماء التقليدية.
ضعوا السياسة جانبا… اتركوا السياسة لنا.
اللاسياسة الدوليّة
اعتماد نهج «لاسياسي» من قبل السياسيين أنفسهم ليس بأمر حديث. فلطالما اعتمدت المنظمات الدولية نهج «الأمن» و«مناهضة العنف» كالدور الأساسي لعملهم في حلّ الحروب والصراعات، متجاهلين الأُسس السياسية والخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي أدّت إلى هذا العنف في الأساس.
المثال الأفضل هو ما يحدث في سوريا. حيث أدّى تركيز المنظمات الدولية وبعض اللاعبين الدوليين على أوليّة إنهاء العنف إلى إعادة تثبيت أسس هذا العنف نفسه، أي بشّار الأسد. وانحصر دور تلك المنظّمات بدورها التقني المتمثّل بتعيين المراقبين الأمميّين وبرامج تدريب تقنية لحل النزاعات التي تجاهلت أُسُس المشكلة.
ضعوا السياسة جانبا… لا سياسة لكم.
إعادة تعريف السياسة
آن الوقت لأن نوضح بأنّ الحل للأزمة هو سياسي بحت، لا يأتي من قبل اخصائيين «حاف» أو ورشات عمل مدنية أو منظّمات دوليّة. الحل سياسي، ولا شيء سوى إعادة تسييس ما هو سياسي، بإمكانه المجيء بالحلول. لكن ما هي السياسة التي نريد أن نطرحها؟ سياسة النخب والاحتكار أو سياسة ترعى الحلول الداخلية المقرّرة من قبل الشعوب؟ سياسة تعزّز الاستبداد العسكري والاقتصادي أو سياسات تُسرِّع عملية الديمقراطية والتحرّر والعدالة الاجتماعية؟
المشاكل سياسية، والحلول كذلك، ومن واجبنا أن نستعيد مفهوم السياسة من خلال التنظيم السياسي. ليس أيّ تنظيم، بل تنظيم وتحالفات لا تكون عشوائية ووصولية و«إنسانية» بهدف «إنقاذ المجتمع»، بل تنظيم ذو سياسات ونظرة اقتصادية واجتماعية ديمقراطية، أي لخدمة عامة الشعب، ومجهود نظري تشاركي بعيد المدى. فالمعركة هي على إعادة تعريف مفهوم السياسة وانتزاعه من أيادي السلطات التي تحتكر ماديّاتنا كما تحتكر لغتنا المستخدمة والهيمنة الفكرية في مجتمعاتنا.
مــــــلــــــف
مخــتبر الثــــورة
يقترح هذا الملف مساحة مفتوحة لطرح اقتراحات تخصّ مسار الثورة، بعضها سجالي أو خارج الحدث، وبعضها الآخر عملي. يدعو هذا الملف كتّاباً وكاتبات للمساهمة باقتراح في السياسة، بمفهومها العريض، ليصبح نقطة سجال أو نقاش أو بحث، تنشر مرة كل أسبوع. وتطمح هذ المساحة أن تشكّل مساهمة بسيطة بعملية التفكير الجماعية التي تُعرَف بالثورة، كمحاولة لتأمين بعض الاستمرارية لهذا المختبر الذي لم يتوقّف عن مفاجأتنا.