التباسات ميقاتي وخطورته
يصعب العثور على رجلٍ يجمع نفس كميّة الالتباسات الهائلة التي يجمعها نجيب ميقاتي في شخصه، وخصوصاً في كل ما يتصل بالملفات التي ستُقبل عليها الحكومة في المرحلة القادمة. التباسات تفسرّ اختياره كرجل المرحلة من قبل المنظومة، التباسات ستدفع ثمنها الفئات الأكثر تهميشًا.
فرنسا مقابل رياض سلامة
يبدو الالتباس الأوّل بهذا الشكل:
- هل سيحرص ميقاتي على علاقته بالفرنسيين، شركائه التاريخيّين في الصفقات التجاريّة والاستثماريّة في قطاعَي الاتصالات والشحن، وداعمي مسار تكليفه منذ البداية؟
- أم سيحرص على رأس رياض سلامة، صديقه المقرّب الذي يستهدفه الأوروبيون، والذي وقفت إلى جانب مقارباته وأولوياته كتلة «الوسط المستقل» التابعة لميقاتي؟
في الشكل، يمكن العثور سريعاً على إشارة بالغة الأهميّة:
اختار ميقاتي باريس لتكون أولى العواصم التي يزورها ميقاتي، متأبّطاً جدولاً زمنياً بالإصلاحات التي ترغب فرنسا برؤيتها، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، وهي نفسها الإصلاحات التي لا تسرّ معسكر صديقه رياض سلامة.
لكن في الشكل أيضاً، يمكن العثور على إشارة مناقضة للإشارة الأولى:
ها هو حاكم مصرف لبنان يستلم مع وزير الماليّة ملف التصرّف بأموال حقوق السحب الخاصّة، عوضاً أن يكون هذا الملف جزءاً من الخطة الماليّة الأوسع التي يفترض أن تعتمد عليها الحكومة في المرحلة القادمة، ووفق صكّ تشريعي خاص يتم إقراره بشفافيّة أمام الرأي العام.
لعلّ ما يخشاه المقيمون في لبنان اليوم، هو أن تنتج عن هذا الالتباس أخطر معادلة يمكن أن تفرض نفسها كأمر واقع:
1. ينجح ميقاتي في تأمين غضّ نظر أوروبي أو فرنسي عن بقاء سلامة في موقعه، مع كل ما يمثّله سلامة من خط دفاع أساسي للمنظومة الماليّة.
2. ينجح في نسج الصفقات مع الدول والشركات الأجنبيّة، خصوصاً الفرنسيّة، المهتمّة بالشراكة مع القطاع العام في مرحلة التصحيح المالي وتنفيذ مشاريع مؤتمر سيدر.
في هذه الحالة، سيكون رئيس الحكومة الجديد قد وفّق ما بين حماية تقاطعات مصالحه مع رعاته الدوليّين، وحماية المصالح الماليّة التي تحرص عليها المنظومة التي أتت به. أما النتيجة، فستكون معالجات موضعيّة لن تفضي إلّا إلى إعادة إنتاج النظامَيْن الاقتصادي والسياسي، مع تحميل الغالبيّة الساحقة من محدودي الدخل في البلاد كلفة مرحلة التصحيح المالي.
صندوق النقد مقابل المصارف
في المقلب الآخر، يظهر سريعاً التباس آخر:
- من ناحية، يبدو رئيس الحكومة متفهِّماً لأهمية التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ما دامت جميع الخيارات التي تعمل عليها السلطة تمرّ باستجداء القروض الخارجيّة من جديد، وما دامت الدول كافةً تربط أي قروض جديدة للبنان بمصير مفاوضاته مع الصندوق. لهذا السبب بالتحديد، بدا ميقاتي في غاية الاستعجال لتشكيل فريق عمل مالي يمكن أن يباشر المفاوضات مع الصندوق، كما أظهرت بعض الأسماء داخل التشكيلة الوزاريّة، كسعادة الشامي، التي لا يمكن تفسير وجودها إلّا كرسالة حُسن نيّة للصندوق.
- من ناحية أخرى، يبدو ميقاتي في الوقت نفسه مُصرّاً على انسجامه مع معسكر المصارف، بدليل تشكيل فريق عمله من أسماء مقرّبة من هذا المعسكر. ولعلّ الرسائل الإيجابيّة التي بدأت جمعيّة المصارف بتوجيهها لميقاتي دلالة على ارتياحها لتوجّهاته، مقارنةً بسلفه حسّان دياب.
هنا أيضاً، ثمّة معادلة خطيرة يمكن أن تنتج عن هذا النوع من الالتباسات:
1. أن يتمكّن ميقاتي من التوصّل إلى تفاهم مع صندوق النقد حول المعالجات الماليّة، وتحديداً تلك التي تتعلّق بطريقة توزيع الخسائر المتراكمة في القطاع المالي، والتي يصرّ عليها الصندوق قبل التفاهم على أي برنامج قروض مع لبنان.
2. أن يتمّ ذلك دون المسّ بقدر وازن من الرساميل المصرفيّة، من خلال المعالجات التي يتم التحضير لها حاليّاً داخل مصرف لبنان، من قبيل تحويل نسبة من الودائع المدولرة إلى الليرة اللبنانيّة وفق أسعار صرف معيّنة، وتجميد هذه الأموال لفترات طويلة لتفادي الضغط على سعر الصرف حالياً. هذا النوع من الحلول، يمكن أن يعالج الفجوة الموجودة نتيجة الفارق الكبير بين موجودات القطاع المصرفي والتزاماته بالعملة الصعبة، لكنّه سيحيّد المصارف عن كلفة التصحيح.
قد يشكّل هذا الحلّ مخرَجاً لتشابك حسابات ميقاتي وتناقضها، لكنّه سيأتي على حساب المودعين وسعر الصرف على المدى الطويل.
في كلّ هذه الالتباسات، يبقى ميقاتي في موقع التقاطع لمصالح متضاربة ستصبح خطيرة بمجرّد أن يجد رئيس الحكومة طريقة للتوفيق في ما بينها. ربّما لهذا السبب بالتحديد، حرصت المنظومة على الإتيان به كرجل المرحلة.