الفيستيفاليّة والبراندنغ كجزء من المشهد الطبقيّ

ساد خلال ثورة الطلاب عام 1968 في فرنسا، جوّ من رفض المشهد والمشهدية، وذلك تأثرًا بالفيلسوف غي ديبور وكتابه «مجتمع المشهد» (مترجم إلى العربية بعنوان «مجتمع الفرجة»). نشأت، خلال هذا المسار الثوري مجموعة «مبدعي الأوضاع»، التي صبّت استراتيجيتها على التعامل والفعل المباشر تجاه الحالة والوضع.

قامت المجموعة لاحقًا بحلّ نفسها حين انتهت المواجهات، وذلك بناءً على قولهم لا نريد أن نكون جزءًا من المشهد، في دلالة على رفضهم الدخول في الحالة الروتينية واليومية، أي أن يصبحوا جزءًا مملًا في مشهد رتيب. فالثورة فعل استثنائي لا يتكرّر في التاريخ، بل هي حركة فاصلة بين مرحلتين، ليس بمقدورنا، ولا نستطيع، ولا نريد أن نحوّلها إلى حالة روتينية يومية منفصلة قائمة بذاتها.


هذا في فرنسا. أما المشكلة في لبنان، فهي أن هناك مجموعات وأفراداً وأحزاباً تغييرية لا تريد أن تكون جزءاً من المشهد فحسب، بل تريد أن تحوّل كل ما جرى ويجري إلى مشهد، من ليلة الانتفاضة وصولاً إلى انفجار 4 أب. فيتحوّل الانفجار خصوصًا، والانهيار عمومًا، إلى حالة طبيعية، يتمّ لاحقًا تعليبها وتحويلها إلى سلعة، إلى «سوفينير» يوضع على رفوف مكتبات المنازل، وذلك كله في جو من الفيستيفالية.

خلفية البقاء في المشهد، في الصورة، لا بل تحويل كل شيء إلى مشهد وعمل فني، أو إلى مشاهد متتابعة تكوّن فيلمًا، أو إلى جملٍ منسابة تصبح نصًا، أو إلى ردم مكثّف يصبح ماردًا ينتصب ليمتصّ بقايا «نترات الأمونيوم» من الأجواء، ومعها الآم وعذابات الضحايا وذويهم ومنازلهم، وصولًا إلى ذكرياتهم… تهدف كل هذه المحاولات، وإن بشكل غير واعٍ، إلى اسقاط كافة محاولات التغيير حتى الساعة.

هنا بيت القصيد والهدف الأسمى اليوم، أن لا يتحول يوم 4 آب، وغيره من أيام وحوادث الحرب الاجتماعية التي تشنها الأحزاب الحاكمة على الناس، لا اليوم ولا لاحقًا إلى مشهد، إلى سلعة، إلى مشروع «بروبوزال» في مصنع المنظمات غير الحكومية، وأن لا يتم تكثيفها لتصبح عملة رقمية مصادرة في مصرف، أو ورقية مقرّشة حسب سعر صرف السوق.


لقد تنبّه عدد من الأفراد إلى خطورة هذه المسألة منذ بداية الانتفاضة في 17 تشرين، إذ خطّ أحدهم شعارًا على جدار مبنى اللعازرية في وسط بيروت يقول: يسقط البروبوزال «Proposal»، أي تسقط ذهنية المشروع، أو الفكرة التي يتم تقديمها إلى الجهات المانحة بهدف الحصول على التمويل. وذلك في تصويب، وبشكل كثيف، لايزري، على عمل المنظمات غير الحكومية، ورفيقاتها سياسيًا من مقاربات المجتمع المدني والأحزاب التغييرية التي تتمتع بذهنيتها. وعمل هذه المنظمات دلالة على المشهدية، لا بل على الاستفادة من المشهد، وبالتالي المحافظة عليه، بهدف الاستفادة الدائمة منه. والإشارة خلال الانتفاضة لم تكن عبثية، لأن ما حدث لاحقًا هو تقريش الكثير من الأشياء، على جري العادة النضالية عند الطبقة الوسطى.

فالمشهد يستدعي أشخاصًا، ويستدعي واجهةً وصفًّا خلفيًّا، والواجهة تستدعي ديكورًا ومالًا لتترتب، تحتاج إلى مقتنيات، تستدعي ترتيبًا سواء بالزي أو بالشكل، أو بصف الكراسي، أو بالصوتيات ومكبرات الصوت، تحتاج إلى براندينغ.

كل هذا يعني أنه ليس مجرد انزلاق بقدر ما هو تموضع طبقي، ولذلك كان شعار «يسقط البروبوزال» يومها رفضًا لمآل طبقي للانتفاضة، وليس تصويبًا مجردًا على مجموعات وأفراد. كان الشعار رفضًا لأيديولوجيا ولمقاربة نفعية، رفضًا لاستثمار. وكان هذا الرفض نابعًا من خوف على الانتفاضة من انزلاقها إلى مادة للتقريش الذي لا تمارسه المنظمات غير الحكومية والمجموعات المدنية فحسب، بل أحزاب تغييرية أخذت على عاتقها تدمير أي حالة معارضة، من خلال تحويلها إلى قضية يستسهل النظام هضمها، كحصر كل آلية التغيير بقانون انتخابي من هنا أو بإصلاح ترقيعي من هناك.


مر يوم 4 آب في مسارين متوازيين لن يتقاطعا، واحد فيستيفاليّ شاهدناه على المرفأ، وواحد نضاليّ صداميّ شاركنا فيه أمام مجلس النواب. وهذه الحالة لن تضمر، بل ستبقى إلى أن ينتصر أحدهما، مع أرجحية سقوط الفيستيفالي بسقوط النظام الذي يتكثف كل نضاله في أن يكون متسيّدًا مشهديته.

تسويق سمير جعجع: ضعف المعارضة لا قوّته

تمكّن سمير جعجع بالأدوات نفسها التي يستعملها حزب الله كان المشهد كافياً لإحراج الكثير من الأطراف السياسيّة فباستثناء معارضة القوّات لسلاح حزب الله معارضة هشّة من هذا النوع هي تحديد اً ما يفتح الطريق الفارق الكبير طبعاً في حجم القوّة والقدرة

عن خوض المعارضة للعمل البرلماني

أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.