النظام الذي يقف وراء المهرّبين

صغار المهرّبين والمحتكرين

على نحو مفاجئ، بات الحديث عن المحروقات المخزّنة لدى صغار المحتكرين والمهرّبين حديث الساعة، بالتوازي مع الحملات الأمنيّة التي أوحت بأن ثمّة قراراً سياسياً جرى اتخاذه لمكافحة هذه الظاهرة. حتّى أن الأمين العام لحزب الله نفسه صعّد من نبرته عند الحديث عن تهريب المحروقات إلى سوريا، ليصف هذا العمل بالخيانة، بعد أن اعتادت أوساط فريقه السياسي ووسائل إعلامه على التقليل من شأن هذه الظاهرة أو الاستخفاف بأثرها.

ببساطة: بات صغار المهرّبين والمحتكرين تحت المجهر، وخصوصاً بعد انفجار مخزن البنزين من عكار وما نتج عنه من فاجعة إنسانيّة.

وصار استعراض المداهمات التي يتعرّضون لها مشهداً متكرّراً في جميع المناطق اللبنانيّة. ولعلّ عمل هؤلاء من خلال شبكات بعيدة مجهولة العناوين سهّل التصويب عليهم بوصفهم فريسة سهلة، لتصبح ظاهرتهم أصل البلاء الأوّل والأخير، كما يحاول البعض تسويق المسألة اليوم.


تهريب الاحتياطات

رغم فداحة الجرم الذي يقترفه هؤلاء، وتحديداً صغار المتربّحين من الأزمة، ثمّة خطأ فادح في التركيز على فعلهم إلى حد تصويرهم كغريم أساسي ووحيد في معادلة أزمة المحروقات. لا بل ثمّة خطأ فادح في الإكتفاء بالبحث في انتماءات هؤلاء السياسيّة، لإدانة الأحزاب التي ينتمون إليها، وكأن دور هذه الأحزاب في الأزمة يقتصر على احتواء هذه الفئة من صغار المهرّبين. قد يكون التركيز على هذا الجانب محقاً عند البحث عمّن يعطي هذه الشبكات الغطاء السياسي لعملها في المناطق، لكنّ المشكلة تبدأ حين يتمّ ربط الأزمة بهذا الجانب حصراً.

فالتهريب مثّل منذ بداية الأزمة شكلاً من أشكال تهريب الاحتياطات من المصرف المركزي، وهو نشاط ازدهر في ظل احتكار عدد ضئيل من الشركات المحميّة سياسياً عمليّات استيراد المحروقات. ولعلّ تباطؤ كلّ من مصرف لبنان والعهد والوزراء المعنيين في التمهيد للخروج من مرحلة الدعم مرتبط أساساً بهذا النوع من الأنشطة التي استغلّت آليات الدعم التي تمّ اعتمادها.


مسؤوليّة نظام

بذلك، تصبح مسؤوليّة القوى السياسيّة في أزمة المحروقات أبعد وأكبر من الانتماء السياسي لصغار المحتكرين لتطال:

  • تغاضيها عن البحث في خطط كفيلة بإخراج البلاد من مرحلة تعدّد أسعار الصرف، وارتباط ذلك بشبكات نفوذ أكبر بكثير من صغار المحتكرين في بيروت والمناطق.
  • الحماية السياسيّة للشركات المستوردة، والتي تمثّل أولى مراحل احتكار هذه المواد قبل وصولها إلى صغار المحتكرين، مع العلم أن اقتصار المازوت الذي يتم بيعه في السوق السوداء جرى تطبيعه من أشهر، ما يؤكّد تورّط هذه الشركات في هذا النوع من الأنشطة، وتقاعس الجميع عن التعامل مع هذه الظاهرة.

أما بعض القوى السياسيّة التي حاولت حصر المسؤوليّة بحاكم مصرف لبنان لإبعاد تداعيات الأزمة الشعبيّة عنها، كحال التيار الوطني الحر، فكانت أساساً من الذين تورطوا خلال الفترة الماضية بحماية بعض كبرى الشركات المستوردة والموزّعة. بل كان التيار تحديداً من الذين استثمروا ضغطهم على سلامة لتسهيل عمليات فتح الاعتمادات لهذه الشركات. علماً أن التيار نفسه، الممسك بوزارة الطاقة، كان من بين الأحزاب المسؤولة عن عدم استباق هذه المرحلة بأي خطة تمهّد لما بعد مرحلة الدعم وتعدّد أسعار الصرف.

في المسؤوليّة السياسيّة، غريمنا في هذه المسألة معروف وواضح، ولسنا بحاجة إلى حصر المسألة ببعض صغار تجار السوق السوداء. ما وصلنا إليه بدأ بعرقلة فكرة القانون القادر على تنظيم وضبط استخدام السيولة المتبقية، وفق رؤية تكفل الخروج المضبوط من فوضى وتعدّد أسعار الصرف، واعتماد البلاد على الاحتياطي لدعم الاستيراد.

ما وصلنا إليه كان مخططاً ومدروساً وهادفاً، من الأحزاب التي تاجرت بالأزمة منذ بدايتها، إما عبر التخطيط لعمليات التهريب والاحتكار من المنبع، أي من الشركات المستوردة نفسها، أو عبر تهريب سيولة المصرف المركزي نفسها.

غريمنا الأوّل مكشوف الوجه، ولا يختبئ خلف صغار مخزّني غالونات البنزين والمازوت.

تسويق سمير جعجع: ضعف المعارضة لا قوّته

تمكّن سمير جعجع بالأدوات نفسها التي يستعملها حزب الله كان المشهد كافياً لإحراج الكثير من الأطراف السياسيّة فباستثناء معارضة القوّات لسلاح حزب الله معارضة هشّة من هذا النوع هي تحديد اً ما يفتح الطريق الفارق الكبير طبعاً في حجم القوّة والقدرة

عن خوض المعارضة للعمل البرلماني

أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.