ضجر نصرالله الدموي


مشكلة نصرالله أنّه بات مُضجرًا.
لكنّ المشكلة الفعلية، أنّه ما زال فعّالًا.
أما مشكلتنا، فهي أنّ فعاليته حتمًا دموية.


تحقيق مقابل تحقيق

رغم سقوط قتلى وجرحى، نجحت تظاهرة حزب الله وحركة أمل وتيار المردة، في هدفها، وهو تحويل قضية المرفأ إلى نقطة توتّر أهلي، تدخل في لعبة المقايضات الطائفية.

رغم سقوط قتلى وجرحى، أو بالأحرى بسبب سقوط قتلى وجرحى…

فقد كان المطلوب من تظاهرة البارحة أن تُوتِّر الأجواء، كما جاء على لسان المتّهمين وماكيناتهم الإعلامية منذ أكثر من أسبوع، لتُحشَر قضية التحقيق في زواريب سياسة «الشارع مقابل الشارع» قبل دفنها.

بات التحقيق بجريمة المرفأ لـ«المسيحيين» حصرًا، كما ردّد المشنوق منذ أشهر، وصار لـ«الشيعة» جريمتهم، وربّما تحقيقهم، لكي تبدأ لعبة المقايضة بينهما.

نجح نصرالله مجدّدًا في لعبته المفضّلة، أي التطييف الدموي للقضايا كوسيلة لضبطها، كما فعل مع معظم القضايا التي واجهته في السنوات الأخيرة، من اغتيال رفيق الحريري إلى موضوع السلاح، وصولًا إلى طائفة وزير المالية، مضيفاً إليها اليوم التحقيق بأكبر انفجار في تاريخ لبنان. سلامة «باتك فيليب علي حسن خليل» باتت مطلبًا طائفيًا لا مساومة عليه، كما أكدّ تجمّع العلماء المسلمين.


مظاهرة ضدّ الطائفة

«باتك فيليب علي حسن خليل» صورة كانت تعبّر عن فساد سياسي لبناني، تلطّى وراء شعار المحرومين لكي يجني، هو ومعلّمه، ثروات طائلة. صورة انتهت البارحة مع تطويبه بالدم كأحد قدّيسي المقاومة.

لم تكن مظاهرة البارحة موجّهة ضدّ القاضي بيطار وتحقيقاته فحسب. كانت تمريناً بالدم هدفه ضبط الجمهور، بعد مرحلة من التصدّع والتململ بدأت مع ثورة تشرين وتعمّقت مع الأزمة. بات الحزب أمام مأزق الانضباط الداخلي، فاخترعت ماكينته الإعلامية معيارًا جديدًا للانتماء الأهلي، مجسَّدًا بكره «هذا القاضي». فقامت حفلة جنون حول شخصه، هدفها ليس إقناع الناس بصوابيتها، بقدر ما هي ترسيم لحدود الجماعات، ترسيم أخذ البارحة لون الدم.

نحن الجماعة التي تكره بيطار، وأنتم المجرمون، كنت تعلمون…

كما مع ثورة تشرين أو الاعتراض على الأزمة الاقتصادية، بات المطلوب من قيادة الثنائي الشيعي منع تسلّل أي قضية إلى داخل البيئة، منعاً لكسر الإجماع المفروض بالقوة. وبعد عمل دؤوب لصدّ أي ارتدادات للاحتجاجات الشعبية، تسكّر اليوم ملف انفجار المرفأ، ليعود الوضع إلى ما كانت إليه الأمور منذ سنتين: جماعة في وجه جماعات…


السياسة بالدم

أبعد من القاضي بيطار، كانت تظاهرة البارحة تذكيرًا من نصرالله لباقي الطبقة السياسية بأنّه ما زال يمتلك سلاحه الأساسي، سلاح الحرب الأهلية، وهو مستعدّ لاستعماله، مهما كلّفت الأمور.

سلاح الداخل ليس سلاح الصواريخ والدبابات. هو سلاح الحرب الأهلية، الذي لم يتعب حزب الله من إشهاره منذ صعوده السياسي. وهو سلاح لا يمكن تسليمه للجيش أو مواجهته بالشارع.

فمنذ أكثر من أسبوع وحزب الله يهدّد بالعنف الأهلي، تهديد موجّه أولًا إلى الطبقة السياسية التي ربّما أخذت بعضًا من الحريّة بالتعاطي مع سطوة حزب الله عليها. فرغم المطالبة المتكرّرة لنصرالله ووفيق صفا ووزرائهم ونوّابهم وإعلاميّيهم بالإطاحة بـ«هذا القاضي»، لم تلبِّ الطبقة السياسة الأوامر بالسرعة المطلوبة، خوفًا من ردّة فعل الشارع أو من ضغوط خارجية. فجاء إنذار البارحة ليذكّر أولئك «الكومبارس» بأنّ قواعد اللعبة لم تتغيّر، وأنّ وراء إصبع نصرالله، هناك منخار وفيق صفا، ووراءه، هناك قمصان سود، ووراءهم، هناك «أر بي جي»، ووراءهم هناك… إسألوا لقمان سليم.


حلّ التوازنات بالعنف

لم يطلق نصرالله الرصاصة الأولى البارحة. لكنّه مهّد لهذا النهار الدموي بكل ما لديه من أدوات.

لكن هناك من أطلق هذه الرصاصات، يتحّمل مسؤولية الدم أيضًا.

هنا نعود إلى حادثة عين الرمانة الأصلية، وسؤالها الأزلي: من بدأ؟ سؤال أزلي ربّما، لكنّه سخيف، ولا يصلح لأكثر من سجال بين صبيان حول من يتحمّل مسؤولية الشرارة الأولى في حرب كان لها آلاف الشرارات.

هناك من أطلق هذه الرصاصات، لأنّه سيكون هناك دائمًا طرف في وجه مشروع حزب الله للسطوة على البلاد، ما يجعل هذا المشروع مدخلًا حتميًا لعنف سياسي. هذا الطرف اليوم، هو سمير جعجع، الذي ورث البارحة موقف الاعتراض على حزب الله، مدشّنًا مرحلة تجاذب مسيحي-شيعي، سيكون لها أثرها العميق على السياسة اللبنانية.

هناك من أطلق هذه الرصاصات، لأنّه سيكون هناك دائمًا جماعات في وجه مشروع حزب الله للغلبة الطائفية، ما يجعل هذا المشروع مدخلًا حتميًا لعنف أهلي. فيمكن أن يكون هناك قنّاص أو طابور خامس أو مؤامرة أمنية، لكنّ الأكيد هو أنّ التوترات الأهلية لا تحتاج إلى تلك شرارات لكي تنفجر.

هناك من أطلق هذه الرصاصات، لأنّ العنف دخل السياسة اللبنانية ولم يخرج منها، بل تمّ الاحتفاء به.

هناك من أطلق هذه الرصاصات، وهناك من سيردّ غدًا. فمنذ سنتين، ومحور الممانعة يبحث عن مؤامرته التي لا يستطيع الحكم من دونها، ووجدها البارحة. فانطلقت سريعاً حملة شيطنة حزب القوات اللبنانية.

التكرار مضجر. ولكن كما بدأ هذا المقال، هذه إحدى مشاكل نصرالله أنّه بات مضجراً.


مرآة نصرالله والخروج منها

لكنّ نصرالله لا يمتلك احتكار الضجر الدموي. فجعجع بات ينافسه على هذه الصفة، في مشروعه العبثي للاستلاء على موقع المعارض للحزب، مشروع قائم على إغراء العنف المضادّ. ففي عسكرته وامتداداته الخليجية وحلمه المتكرّر بتوحيد البندقية، أصبح جعجع الخصم الأول لحزب الله، ولكنّه أصبح أيضًا صورته المعكوسة. في وجه العنف، عنف مضاد، في وجه إيران، السعودية، في وجه القائد، قائدٌ آخرٌ… والنتيجة قتلى وجرحى يسطرون خطوط النار الجديدة.

لا بديل من مواجهة حزب الله، ولكن لا بديل أيضاً من مواجهة «مشكلة حزب الله»، أي مواجهة السياسة على شفير الحرب الأهلية. امتنعت القوى السياسية، سواء كانت تقليدية أم ثورية، عن مواجهة حزب الله بإسم السلم الأهلي. وفشلت. فقرّرت القوات اللبنانية كسر هذا الابتزاز. وستفشل. لكنّ الفشلَيْن لن ينفيا ضرورة هذه المواجهة المزدوجة، مواجهة تتطلّب الاعتراف بأنّ هذا المجتمع على طريق الانفراط، لا يحتمل لا مقاومة ولا مقاومتها.

تسويق سمير جعجع: ضعف المعارضة لا قوّته

تمكّن سمير جعجع بالأدوات نفسها التي يستعملها حزب الله كان المشهد كافياً لإحراج الكثير من الأطراف السياسيّة فباستثناء معارضة القوّات لسلاح حزب الله معارضة هشّة من هذا النوع هي تحديد اً ما يفتح الطريق الفارق الكبير طبعاً في حجم القوّة والقدرة

عن خوض المعارضة للعمل البرلماني

أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.