عن خوض المعارضة للعمل البرلماني
الشعب قرّر، التغيير بلّش
—من حملة انتخابية تنظّمها مجموعةٌ تُدعى «نحو الوطن»
ها هي يافطات الانتخابات النيابية تجتاح الشوارع، والنقاشات تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، علماً أن المسألة مُثارة في دوائر المعارضة منذ 17 تشرين وحتّى اليوم. والإشكالية واحدة:
خوض العمل البرلماني من عدمه
عن مقدار هيمنة البرلمان
يُشابه البرلمان اللبناني برلمانات الدول الأخرى، لناحية كونه كياناً سياسياً غير قائم بذاته، بل يعتمد في وجوده على مجمل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية القائمة. لكن يصحّ السؤال، في الحالة اللبنانية، عن مقدار الهيمنة الذاتية للبرلمان ككيانٍ مجرّد على المجتمع، وعن درجة استقلاليته عن الأحزاب التي تشغر مقاعده، وعمّا إذا كان قائماً بها، أو بدونها؟
في نماذج برلمانات الليبراليات الغربية، نتحدث عن برلمانات نشأت وتطورت تاريخياً لتمارس سلطة فعلية على المجتمع، تحاول جهات فاعلة سياسياً أن تأخذ حيزاً من هذه السلطة الفعلية عبر تحصيل شيء من المقاعد البرلمانية.
أما في نماذج برلمانات الأنظمة شبه السلطوية، فلا يمكن فصل النظام عن مؤسسات الدولة. ومردّ ذلك أنّ للنظام أدوات هيمنة تجعله في سيطرة تامّة على البرلمان، وتسلب من الأخير استقلاليته ككيان مجرّد. نتحدّث هنا عن أدوات هيمنة لنظام مشخصن، قد تأخذ أشكالاً مختلفة، كعلاقات قربى وعشائرية متغلغلة في مؤسسات الدولة، أو قد تكون أدوات الهيمنة مؤسسات رقابية وقمعية خاصة بحزبٍ واحد مؤدلج.
عن استحالة الفصل بين البرلمان اللبناني والأحزاب التقليديّة
هذا هو القول الأقرب إلى الواقع، بوجود سلاح يستطيع الإطباق على مؤسسات الدولة، تحدّد وظيفته حسابات إقليمية، ويعتمد في وجوده على دعمٍ خارجي، وتحالفات داخلية مع أحزاب أخرى لديها من مصادر القوة المختلفة سواء داخل مؤسسات الدولة أم خارجها.
وبذلك، يصبح البرلمان مجرّد مؤسّسة محاصصة بين أحزاب محدّدة، تتغير موازين القوى في ما بينها تبعاً للأوضاع الداخلية والإقليمية. أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.
عن الشرخ ما بين المعارضة والجماهير
سواء أرادت المعارضة للأحزاب التقليدية أن تسلّم بإمكانية الفصل النظري بين البرلمان والأحزاب التقليدية أم لا، وسواء أرادت أن تخوض غمار العمل البرلماني أم لا، فإنّها لا تزال تنأى بنفسها عن الإشكالية الفعلية:
تحديد الشريحة الاجتماعية التي لديها الاستعداد لخَوض المواجهة مع النظام القائم
بمعنى آخر، الشريحة الاجتماعية التي لديها الاستعداد لتغيير علاقات القوة القائمة، والتي على مجموعات المعارضة أن تذوب فيها وأن توظّف امتيازاتها ومنصّاتها في خدمتها.
ذلك أنّ المعارضة لا تزال غارقة في ثنائية النظام والشعب، والتي هي ثنائية تعجز عن استيعاب الديناميات التاريخية التي أدّت إلى نشوء الأنظمة وإعادة إنتاجها أو اضمحلالها واستبدالها. يتساءل المرء إذاً، في ظل الشروط الاجتماعية القائمة، عن الجدوى الفعلية لشعار الشعب قرّر، التغيير بلّش.
أمّا ما هي تلك الشروط؟ فهي تضارب مصالح طبقية دائمة أو آنية، أخذت شكلاً جديداً في سياق الانهيار القائم. كما هي تضارب طائفي واضح -لا ينفصل عن التضارب الأول- ويدور بين طوائف لا يمكن مساواة بعضها ببعض.
عن أحزابٍ تُحاكي الفكر اليوميّ
رغم الثراء المعرفي الذي قدّمته لنا الثورات العربية من 2011 حتى اليوم، وما حتّمته علينا من أهمية الانطلاق في العمل السياسي من يوميات الشعوب، لا إسقاط أدوات عمل سياسي وخطابات تتخللها مفاهيم هي في اغتراب عن مُعاشها اليومي ولغتها، فإنّ أحزاب النظام لا تزال سبّاقة على المعارضة في محاكاة الفكر اليومي لمختلف الشرائح الاجتماعية.
ولا تزال المعارضة مُغترِبة عن منطق «الفكر اليومي»، والسبب الأساس وراء ذلك هو تسليمها في خطابها على أن «الشعب» هو كلٌ واحدٌ خام، يأتي هكذا، فرد صبّة. لا تزال المعارضة في مرحلة الـ«لاانحياز»، اللاانحياز لأي شريحة اجتماعية من الشعب على أخرى، على الرغم من أنّ ذلك الانحياز هو المقدمة للعمل السياسي الجادّ. ذلك أنّ الغاية من أي عمل سياسي هو تحسين المُعاش اليومي لشريحةٍ من السكان، المُعاش المختلف، لا بل المتضاربة همومه، ما بين طبقاتٍ وشرائح اجتماعية مختلفة.
يفرض ذلك على المعارضة إعادة التفكير بأساليب عمل سياسي جديدة.
فعوض محاولة الولوج إلى البرلمان بغية المشاركة في التحكّم بمؤسسات الدولة، واختيار بيروقراطيتها، يمكن الحديث عن محاولة بناء كيانات اجتماعية منطلقة من الهموم اليومية للفئات الاجتماعية التي على المعارضة الانحياز لها، تنتج أشكالاً من التضامن الشعبي، وتقدم بديلاً عمّا عجزت عن تقديمه الدولة، بل تحميهم من أساليب قهرها.
مــــــلــــــف
مخــتبر الثــــورة
يقترح هذا الملف مساحة مفتوحة لطرح اقتراحات تخصّ مسار الثورة، بعضها سجالي أو خارج الحدث، وبعضها الآخر عملي. يدعو هذا الملف كتّاباً وكاتبات للمساهمة باقتراح في السياسة، بمفهومها العريض، ليصبح نقطة سجال أو نقاش أو بحث، تنشر مرة كل أسبوع. وتطمح هذ المساحة أن تشكّل مساهمة بسيطة بعملية التفكير الجماعية التي تُعرَف بالثورة، كمحاولة لتأمين بعض الاستمرارية لهذا المختبر الذي لم يتوقّف عن مفاجأتنا.