كي لا يكون البيان الوزاري «صفّ حكي»
توحي جميع التسريبات بأنّ هذا البيان – كحال البيانات الوزاريّة السابقة – لن يخرج عن إطار الكلام الإنشائي العام والفضفاض، أي «صفّ الحكي». إليكم ثلاث كلمات مفاتيح يُفترض بقارئ البيان الوزاري أن يحذَر منها عند صدوره، وإن بدت للوهلة الأولى عناوين برّاقة تمّ تسويقها إعلاميّاً بعناية.
«اللغة الموحّدة» لا تعني شيئاً
هدف هذه الجملة الإيحاء بأن الحكومة المقبلة، وعلى خلاف حكومة دياب، لن تذهب إلى المفاوضات مع الصندوق في ظل خلاف مع المصرف المركزي والمجلس النيابي حول المقاربات وتقديرات الخسائر.
لكنّ هذه اللغة الموحّدة لا تعني شيئاً، ما دام الكلام عنها لا يقترن بمضمون هذه اللغة الموحّدة، أو المقاربات التي ستعتمدها الحكومة. فإذا كانت هذه اللغة الموحّدة ستتبنّى المقاربات التي دفع بإتجاهها كلٌّ من مصرف لبنان ولجنة المال والموازنة وجمعيّة المصارف، فإنّ ثمن هذه اللغة سيُدفع من جيوب محدودي الدخل.
العبارة المفتاح هنا، يُفترض أن تكون فرض توزيع عادل للخسائر بعد تحديدها بدقّة.
أيّ مقاربة موحّدة أو غير موحّدة لا تفرض هذه المسألة لن تحقّق شيئاً بالنسبة إلى الغالبيّة الساحقة من المقيمين المتضرّرين من الأزمة الماليّة.
أبعد من التدقيق الجنائي الأولي
يستلزم أيّ تدقيق جدّي في المستقبل عقداً جديداً للتعمّق في تفاصيل ما سيكشفه التدقيق الأولي. وبما أنّ ما تبقّى من المهلة التي ينصّ عليها قانون رفع السريّة المصرفيّة لغايات التدقيق الجنائي لا يتخطّى الثلاثة أشهر ونصف، فمن الأكيد أن استكمال التدقيق سيحتاج إلى قانون جديد يمدّد رفع السريّة. لهذا السبب، فالالتزام في البيان الوزاري بمسار التدقيق الجنائي الحالي وحده، لا يكفي لكشف خفايا الخسائر الموجودة في مصرف لبنان وأسبابها.
إذا أردنا البحث عن الكلمات المفاتيح التي يمكن أن تعكس جديّة حقيقيّة في هذا الملف، يفترض أن تكون على الشكل التالي: استكمال التدقيق الجنائي بعد إعداد تقرير التدقيق الأولي من قبل شركة آلفاريز آند مرسال.
رفع الدعم وتوحيد أسعار الصرف
لن يقدّم الالتزام بالبطاقة التمويليّة وحده، أو الرفع التدريجي للدعم، الكثير على مستوى حماية الفئات الهشّة من تبعات مرحلة رفع الدعم.
بإمكان البطاقة التمويليّة أن تكون مجرّد «بطاقة انتخابيّة» يتمّ توظيفها لغايات الزبائنيّة السياسيّة. وبإمكان رفع الدعم التدريجي أن يؤدّي في النهاية إلى نفس نتائج رفع الدعم المباشر على مستوى تراجع القدرة الشرائيّة.
المطلوب بدل كل هذه المقترحات، الذهاب نحو خطة كاملة لتوحيد أسعار الصرف، تبدأ من ربط هذا المسار بمسار معالجة الخسائر الموجودة في القطاع المالي، وبمسار قوننة القيود على السيولة الموجودة في المصارف ورفعها بشكل متدرّج. هنا فقط، يمكن للكلام عن رفع الدعم أن يأتي مع ضمانات تؤكّد أن كلفة هذا المسار لن تُحمَّل إلى محدودي الدخل.
ما سبق ليس إلا نموذجاً عن بعض الإشكاليّات التي تؤكّد أن المطلوب اليوم بات أبعد من بعض العناوين العموميّة، وأنّ طبيعة الأزمة يُفترض أن تدفع المرء إلى البحث بهدوء عن العبارات التي تدلّ على الفئات التي ستحمّلها هذه الحكومة كلفة المعالجات التي ستذهب إليها.