من رياض سلامة إلى طارق بيطار: المافيا بخير

في 15 أيلول، قبلت محكمة التمييز الطعن الذي قدّمه ناهب مصرف لبنان رياض سلامة بدعوى مقدّمة ضدّه في جرائم اختلاس وإساءة استعمال السلطة. أسوأ ما في قرار المحكمة لم يكن القرار نفسه، بل الحجّة التي استخدمها. فقد حكمت المحكمة أنّ أيّ ملاحقة تتعلّق بمخالفة «قانون النقد والتسليف» ينبغي أن تتمّ بناءً على طلب المصرف المركزي. بكلام آخر:

هناك جهة وحيدة يمكنها أن تتّهم رياض سلامة، وهذه الجهة ليست إلا رياض سلامة نفسه.

في 27 أيلول، تبلّغ المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار «دعوى الردّ» التي تقدّم بها النائب والوزير السابق نهاد المشنوق. وبانتظار قبول الدعوى أو رفضها، عُلِّقت كلّ التحقيقات في قضية مرفأ بيروت. تقف وراء دعوى الردّ هذه فرضيّة أنّه ليس للقاضي بيطار صلاحيّة لملاحقة الوزراء، فتلك الصلاحيّة محصورة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء. وهذا هو الرأي الذي سبق أن جاهر به رئيس المجلس النيابي ونائبه.
الجدير بالذكر أنّ هذا «المجلس الأعلى» يضمّ 7 نوّاب ينتخبهم المجلس النيابي، و8 قضاة تختارهم السلطة القضائية العليا التي تختار أعضاءها السلطة السياسية. بكلام آخر:

هناك جهة وحيدة يمكنها أن تتّهم السلطة السياسيّة، وهذه الجهة ليست إلا السلطة السياسية نفسها.


تلخّص هاتان الحادثتان مفهوم العدالة الذي تسمح به المافيا الحاكمة في الجريمتَيْن اللتَيْن تشغلان المجتمع اللبناني اليوم: جريمة نهب أموال المودعين، وجريمة تدمير مدينة بيروت.
في الجريمة الأولى، يتمتّع رياض سلامة بحصانة تامّة كونه أمين صندوق المافيا وكاتم أسرار عمليّاتها المشبوهة. حصانة رياض سلامة ليست حصانةً شخصيّة، بل حصانة جماعيّة للمافيا بكافة تفرّعاتها، تماماً مثل حصانة نهاد المشنوق أو أيّ متّهم آخر في الجريمة الثانية.
أدّى هذا المفهوم للعدالة إلى عمليّة انزياح كبرى: اختفى فجأةً رياض سلامة عن قائمة الشرّ، لا بل كوفئ بتعيين وزير مال مقرّب منه، وحلّ محلّه اسم طارق بيطار الذي تحاول المافيا بأوجهها السياسية والأمنية والإعلامية أن تصوّره كقائدٍ لمحور الشرّ المتآمر.


«هيدا القاضي مسيّس». قالها نصر الله بوضوح تامّ. أمّا حججه لإثبات هذا التسييس، فكانت موفّقة بدرجة التوفيق نفسها التي طبعت حججه الاقتصاديّة، سواء لناحية زراعة البلاكين أو الحصار المتوهَّم. رغم هُزال هذا المنطق، أطلق نصرالله بما يمثّله صفّارة تهمة التسييس. فاعتبر أحد المحامين أنّ مطالعته لتنحية القاضي بيطار مبكّلة، وأنّ أيّ قرار محكمة لا يجاريه سيثبت أنّ «هناك تسييس». ثمّ التقت خسّة منطق المحامي ببارانويا وزير سابق ربط بين ادّعاء القاضي عليه وتهديد تلقّاه قبل عام من وقوع الانفجار.

لم يقتصر الأمر على اتّهام القاضي بالتسييس، فتبرّع بعض الإعلام بجهدٍ استقصائيّ مُحكَم أثبت أنّ القاضي تمكّن من سداد قرضٍ سكنّي له بالليرة اللبنانيّة، بعد الانهيار الكبير الذي أصاب العملة الوطنيّة.

لم تقف الاتّهامات عند هذا الحدّ، بل دخلت إلى أعماق القاضي النفسيّة، لتكتشف أنّه يعاني من «الهستيريا المفرطة»، وفق محامي المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم، أو من «اضطراب نفسيّ»، وفق محامي الوزير السابق يوسف فنيانوس. أمّا سبب هذه الاضطرابات، فهو تأثّر القاضي بالمناخ الشعبي المحيط به. ولم يخطر في بال المافيا أن تسأل: ما الذي يجعل المناخ الشعبي يميل لجهة هذا القاضي؟

لكنّ براءة اختراع التهمة الطائفيّة تسجَّل لمن أطلق النار على المتظاهرين العام 2015 وهو يدخّن سيجاره في جزيرة ميكونوس. فقرّر نهاد المشنوق أن يختزل بشخصه الطائفة السنّية، لا بل المسلمين جميعاً، وأن يختزل بشخص القاضي بيطار المسيحيّين جميعاً، ليخرج من دار الفتوى ويتّهم القاضي بتحويل انفجار المرفأ إلى انفجار ارتكبه مسلمون ومات فيه مسيحيّون.


لنضع سفالة المشنوق جانباً، ووضاعة تصاريح محامي المتّهمين (بالمناسبة، من أين يأتون بأولئك المحامين؟). ولنطرح سؤالاً ساذجاً: ما علاقة وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله بمصالح المافيا؟ لماذا لا يرتاح منخارٌ لوفيق صفا ما دام عضوٌ من أعضاء المافيا مهدّداً بليلةٍ في السجن؟
قد لا نجد إجابةً على هذا السؤال قريباً، تماماً كما لم نجد جواباً حول مَن اتّصل بحسان دياب ليقنعه بإلغاء زيارته إلى مرفأ بيروت قبيل وقوع الانفجار. قالوا وقتها إنّ نترات الأمونيوم مجرّد سماد زراعيّ. قالوا أيضاً: الليرة بخير.

تسويق سمير جعجع: ضعف المعارضة لا قوّته

تمكّن سمير جعجع بالأدوات نفسها التي يستعملها حزب الله كان المشهد كافياً لإحراج الكثير من الأطراف السياسيّة فباستثناء معارضة القوّات لسلاح حزب الله معارضة هشّة من هذا النوع هي تحديد اً ما يفتح الطريق الفارق الكبير طبعاً في حجم القوّة والقدرة

عن خوض المعارضة للعمل البرلماني

أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.