ميقاتي كمضيعة للوقت
نجيب ميقاتي: عودة إلى الـ2005
طوال الأيام الماضية، تكرّرت المشاهد التي توحي بأننا سنكون، من الآن وحتّى إجراء الانتخابات النيابيّة في شهر آذار، أمام خمسة أشهر من الوقت الضائع.
إذا كان واضحاً منذ البداية أن ولاية ميقاتي القصيرة لن تسمح له بالمضيّ قدماً بأي معالجات جديّة على المستوى المالي، فالأكيد أن تطوّرات الأيام الماضية دلّت على أن ميقاتي لن يتمكّن حتّى من التحضير لهذه المعالجات.
نجيب ميقاتي الـ2021، سيكون في الاقتصاد كما كان نجيب ميقاتي الـ2005 في السياسة:
مجرّد صورة ستملأ أشهراً قليلة، في مرحلة يُراد لها أن تمرّ من دون أيّ أثر يُذكر.
في المرحلتين، كانت خلفية الرجل الرماديّة والباهتة ملائمة لدور من هذا النوع، وهو ما أتقن فعله في المرّتين.
وفد الصندوق النقد الدولي
كانت المهمّة الأولى لهذه الحكومة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، تمهيداً للتفاهم على برنامج قرض للبنان. كان الجميع يدرك أن الوصول إلى هذا التفاهم صعب قبل مطلع العام المقبل، نظراً للتعقيدات التقنيّة التي ستصاحب سلسلة الجلسات الطويلة المتوقّعة. وهذا ما أكّدته أولى زيارات وفد الصندوق التي لم تحمل الكثير من الأخبار السارّة.
- لم يقدّم مصرف لبنان لوفد الصندوق معلومة واحدة من المعلومات التي احتاجها للتحضير لجولات التفاوض المقبلة.
- لم توحِ جلسات الوفد مع المرجعيات الرسميّة بأنّ لبنان تمكّن من صياغة ولو معالم رئيسيّة للخطة التي سيفاوض على أساسها.
- اكتشف وفد الصندوق أنّ الشركتين الاستشاريتين لم تتمكّنا بعد من الحصول على هذه المعلومات من مصرف لبنان، ما يشير إلى أن الحكومة ما زالت بعيدة عن صياغة أولى مسوّدات خطتها.
عند هذه النقطة، بدا واضحاً أن الحكومة ما زالت فاقدة للإرادة والقيادة السياسيّة للوقوف في وجه المصالح الكبيرة الكامنة في النظام المالي، والتي يقف حاكم مصرف لبنان مدافعاً شرساً عنها. ولهذا السبب بالتحديد، أصبح من المستبعد أن تتمكن الحكومة في القريب العاجل من تكوين خطتها التي ستحدّد الخسائر، والتي سيتمّ على أساسها التفاوض مع الصندوق على المعالجات المحتملة.
وفد التفاوض اللبناني
يرتبط المشهد الثاني بما بدأ يتسرّب من وفد التفاوض اللبناني الذي يفترض أن يحضّر الخطّة الماليّة التي سيتم على أساسها النقاش مع وفد الصندوق. تشير التسريبات الإعلاميّة إلى تباينات كبيرة في المقاربات التي يحملها كل عضو من أعضاء الوفد، كما تشير إلى تباعد مواعيد اجتماعات الوفد، وتباطؤ مسار إعداد خطته.
بذلك، بدأت الصورة تتكامل ما بين المشهدين:
بين وفد الصندوق الذي لم يتلمّس بعد جديّة لبنان في التحضير للمفاوضات معه، والوفد اللبناني الذي لم يمضِ جديّاً في مهمّة صياغة المقاربات اللبنانيّة الموحّدة، والتي سيتم التفاوض على أساسها.
عند هذه النقطة، تساقطت تباعاً أوهام «الذهاب إلى المفاوضات مع صندوق النقد بلغة لبنانيّة مشتركة».
الحكومة بين صندوق النقد والثنائي الشيعي
في السياسة، ثمّة ما يكمّل المشهد نفسه: الاجتماعات الحكوميّة متوقّفة، بانتظار التوصّل إلى تفاهم بين أقطاب الحكومة حول مسألة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.
بل بالأحرى، بانتظار التوصّل إلى صيغة ترضي الثنائي الشيعي، المنتفض على القاضي بيطار واستدعاءاته، وعلى «تخاذل» أقطاب الحكومة وعدم تكاتفهم في وجه من يستهدف بعض الرموز المحسوبة على المنظومة.
بمعزل عن التداعيات السياسيّة لهذه التطورات على مستوى فعاليّة هذه الحكومة وانسجامها، من المعروف أن استقلاليّة السلطة القضائيّة كانت منذ البداية أحد شروط صندوق النقد في جولة مفاوضاته السابقة مع حكومة دياب. فشكّل تدخّل رئيس الجمهوريّة في ملف التعيينات القضائيّة في ذلك الوقت ضربة لمسار المفاوضات.
باختصار، سيكون لكل التطورات المستجدّة أثر كبير على مستوى الغطاء الدولي الممنوح لهذه الحكومة، حتّى في ما يخص الملف المالي.
بانتظار الانتخابات النيابيّة، لا نملك اليوم سوى حرق الوقت مجدداً، تماماً كما حرقناه منذ شهر آب 2020 في ظل حكومة تصريف الأعمال.