نقاط مجانيّة لحزب الله من خصومه

خلال ساعات أو أيام، يفترض أن تحلّ «السفينة الأولى» الإيرانيّة في مكانٍ ما على الشاطىء الشرقي للبحر المتوسّط، فيما لم تتّضح بالتحديد هويّة المرفأ اللبناني أو السوري الذي ستقصده هذه الباخرة.

يتعامل حزب الله منذ البداية مع هذا الحدث بوصفه نصراً كبيراً، أو تحوّلاً استراتيجياً في سياق الأزمة اللبنانيّة. فارتكز تشخيصه للأزمة على نظريات الحصار والحرب الاقتصاديّة المتعمّدة، وبالتالي فإنّ الردّ على هذا الوضع يتطلب استقدام البنزين والمازوت الإيرانيين.

إنها بداية كسر الحصار، بحسب الحزب…


اتّسمت ردود فعل الكثير من خصوم الحزب في مسألة السفينة بمسألتين:

1. الإفراط في الحديث عن العقوبات الأميركيّة التي يمكن أن تستجلبها هذه الباخرة على لبنان. والحديث عن هذه العقوبات يتّسم بحساسيّة استثنائيّة لارتباطه بمصير ما تبقى من احتياطات يملكها المصرف المركزي، وهي احتياطات مودعة في حساباته لدى المصارف المراسلة في الخارج.
2. الإكثار من التشكيك في واقعيّة العمليّة، أو قدرة الحزب على تنفيذ «وعد البنزين والمازوت» الإيرانيين.

في الحالتين، كان هؤلاء الخصوم يهدون الحزب نقاطاً مجانيّة في السياسة، خصوصاً أمام جمهوره الذي يتلقى تشخيصَه للأزمة والحلول التي يطرحها.

1. فحتّى اللحظة، لا يوجد ما يدلّ على أن ثمّة عقوبات قد تُفرض نتيجةً لهذه العمليّة، خصوصاً إذا لم تنطوِ على أي تداول نقدي من داخل النظام المالي، أو على استعمال للمنشآت العامّة لتفريغ المحروقات الإيرانيّة. وإذا كان الحزب قد تمكّن لسنوات طويلة من استقدام ما لذّ وطاب من صواريخ وذخائر من إيران، دون أن يتبع ذلك أي عقوبات أميركيّة على الدولة اللبنانيّة، فمن المستبعد أن يؤدّي استيراد غير رسمي للمحروقات لهذا النوع من العقوبات.
2. من الناحية العمليّة، يدلّ حديث نصرالله على ثقة كبيرة في قدرته على إيصال المواد إلى لبنان. ومن المستبعد أن يكون الرجل قد أقحم نفسه في تضخيم المشروع إعلاميّاً بهذا الشكل، كتحدٍّ في وجه الجميع، من دون أن يكون قد امتلك ما يكفي من ضمانات تؤكّد نجاح الفكرة.

في النتيجة، قد تصل السفينة إلى وجهتها فعلاً، وقد لا يلي ذلك أي عقوبات أو تداعيات مأسويّة من النوع الذي جرى الحديث عنه. وسيكون بإمكان حزب الله أن يستعرض نجاحه الذي حققه رغم أنف كل من شكّك في صوابيّة الخطوة. لا بل سيكون بإمكانه استعراض عمليّة كسر الحصار التي تمّت رغم تمنّع من يقول الحزب إنهم يخضعون لهيمنة الولايات المتحدة وسطوتها. بطريقة ما، سيكون هؤلاء الخصوم قد أعطوا نقطة مجانيّة للحزب، عبر مواقفهم التي سيستعملها الحزب لتأكيد أن هناك من يريد الحدّ من خيارات لبنان الشرقيّة، ومنعه من اللجوء إلى الحلول الممكنة.


هل كان هناك حاجة فعلاً لكل هذه النقاط المجانيّة التي يهديها البعض للحزب اليوم؟
هل كان هناك ضرورة لمواجهة خطاب الحصار، وكسره بالتوجّه شرقاً، على هذا النحو بالتحديد؟

  • في الأصل، نحن نتحدّث عن باخرتين انطلقتا خلال مدّة تتجاوز الأسبوعين. بمعنى آخر، ووفقاً لهذه الوتيرة، نحن نتحدث عن نسبة ضئيلة جداً من حاجة السوق اللبناني للمحروقات، ومن المستبعد أن يكون الحزب قد حقق فعلاً تحوّلاً نوعيّاً على مستوى أزمة المحروقات بالتحديد.
  • بمعزل عن أثر هذه البواخر التي يمكن أن تكون حبّة مسكّن لعدد من القطاعات الحساسة في بعض المناطق، لا يوجد ما يدلّ على أن هذه البواخر ستترك أي أثر على مشهد الأزمة الأوسع، والتي تتنوّع مكامنها ما بين تعثّر مصرفي وتعثّر للدولة اللبنانيّة وفوضى غير مسبوقة في أسعار الصرف.
  • في كل الحالات، لا تعفي هذه البواخر حزب الله من مسؤوليّاته كحزب في كل ما يتعلّق بالسياسات التي اتبعتها المنظومة السياسيّة اللبنانيّة، خصوصاً وأنّ أقوى أركان هذه المنظومة اليوم ليسوا سوى حلفاء عوَّمَهم الحزب نفسه.

في الخلاصة:

لم يكن من الضروري كلّ هذا التشنّج الذي رافق استقدام الباخرة، من قبل الكثير من خصوم الحزب. لا بل كان من الأجدى لمن يريد الردّ على مقاربات الحزب أن يذهب للسؤال عن دقّة نظريات الحصار وربط الأزمة بعوامل الضغط الخارجي، والبحث عن أسباب الأزمة الكامنة في بنية النموذج الاقتصادي اللبناني المنهار وعلاقته بالتركيبة السياسيّة في البلاد.


تسويق سمير جعجع: ضعف المعارضة لا قوّته

تمكّن سمير جعجع بالأدوات نفسها التي يستعملها حزب الله كان المشهد كافياً لإحراج الكثير من الأطراف السياسيّة فباستثناء معارضة القوّات لسلاح حزب الله معارضة هشّة من هذا النوع هي تحديد اً ما يفتح الطريق الفارق الكبير طبعاً في حجم القوّة والقدرة

عن خوض المعارضة للعمل البرلماني

أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.