هل شَممتُم المازوت من قبل؟


هل رأيتم صهاريج المازوت الإيراني تدخل الأراضي اللبنانية؟ وعبر سوريا؟ قوافل قوافل؟ مع صورة بشار الأسد؟ والخامنئي؟ وإطلاق نار في الهواء؟ ثم الـ ب 7؟ ثم الشاحنة التي تدوس علم أميركا؟ ثم صورة السيّد على المحطّات؟ ثم يافطات في القرى عن كسر الحصار؟

هل رأيتم كل ذلك؟ عظيم. هذا يكفي. هذا المطلوب. هذه الصورة فحسب، والرسائل من ورائها. بإمكاننا الآن إسدال الستائر والعودة إلى بيوتنا.

الحصار المزعوم

يبدو طريفاً أن تزعم أنّ الغرض من إدخال المازوت عبر الصهاريج هو عمل كسرَ حصار منع البنزين عن المقيمين، في حين كانت بواخر البنزين ترسو قبالة الشاطئ اللبناني، وتباشر تفريغ حمولتها بعدما فتح لها رياض سلامة الاعتمادات وفق سعر الـ8،000 ليرة.
الأكثر طرافةً، أن تكسر حصاراً خلق أزمة محروقات في البلاد، في حين أن أبواب استيراد المازوت فُتحت لمن يشاء منذ التاسع من الشهر الجاري. كاريكاتورياً، يمكن لسائق الشاحنة عينه، الذي فضّ الحصار، أن يمسك بيده 540 دولاراً ويتوجّه بها إلى وزارة الطاقة، ليتلقّى مقابلها طنّاً من المازوت، له أن يفعل بها ما يشاء.

من انتصار إلى انتصار

وعليه، أصبحت هذه الخطوة انتصاراً، كونها، بوعي الجماهير، تحلّ لهم أزمة. غير أنّ الأزمة ليست أزمة بنزين، والحل ليس استيراد المزيد من البنزين. وبالتالي، فإن أي نقاش عن البنزين داخل هذه المعادلة، هو مجرّد مضيعة وقت، أو للدقّة، تسكيجة تفيد أيّاماً معدودة.
لكن إرساء معادلات كهذه، وتكريس نظرية الحصار، يجعلان من صهريج مازوت انتصاراً. الأسف ليس على الصهريج، بل على الانتصارات الفعلية السابقة، عندما كانت كلمة انتصار تُقرَن بتحرير الجنوب مثلاً، وصارت تُقرَن بالصهريج. عندما كانت جدّاتنا ينثرن الأرزّ على المقاومين العائدين من عمليّاتهم في الجنوب المحتل، وصرن ينثرنه على صهريج.

الكارتيل يرحّب بكم

ما وراء كسر الحصار هو، عملياً، كسر لكارتيلٍ مُغلَق، تبدّلت موازين القوى فيه في الآونة الأخيرة، حيث فقد وليد جنبلاط الحصّة الكبرى من كارتيل المحروقات لحساب جبران باسيل وصديقه أوسكار يمّين وشركة كورال. الحصص التي كانت تتغيّر بين اللاعبين داخل الكارتيل نفسه، صار واجباً عليها أن تتغيّر اليوم بما يأخذ في الاعتبار لاعباً جديداً. كسر الكارتيل لم يكن طمعاً بتأميم النفط، بل لأن تصبح «الأمانة» اليوم هي «كورال» العام المقبل.

بازل الدولة الموازية

استيراد المحروقات يمضي بالدولة الموازية قدماً إلى الأمام. بعد قطاع حزب الله في الطبابة، والبناء، والزراعة، والتعليم، والمال الحلال، ومؤخّراً التعاونيات الاستهلاكية وبطاقة السجاد، تأتي محطّة «الأمانة» لتتمّم دولة حزب الله الموازية، أو بالأحرى الفدرالية التي ينادي بها خصوم حزب الله عادةً.

عصبٌ مشدود ورسائل أشدّ

«إنّ سفينتنا الأولى…..» بكلماتٍ بسيطة، رفع أمين عام حزب الله معنويات جمهوره، وكان المنشد علي بركات على أتمّ الجهوزية لينتج عملاً فنياً رائعاً أشاد فيه بسفينة السيّد. فبعد تململ قاعدي حول الأوضاع المعيشية، وبعدما كانت الجماهير تسمع بانتصاراتٍ للمحور هنا وهناك وهي تنتظر طوابير طوابير على المحطّات، كان لا بد من صهريجٍ لرفع المعنويات.
وبعدما تململت القاعدة مجدّداً نتيجة مسلسل الاحتكارات وتخزين البنزين، لا سيّما في الجنوب بين قياديّي الثنائي، وبعدما احتكر الحجّاج ما احتجزوه من دواء وسلع غذائية، كان لا بدّ من صهريجٍ لشدّ العصب.
أما اللافت، فهو الاستقبال الجماهيري «العفوي» والآمن للصهاريج، كميّة النار المطلقة بجانب الصهاريج – عدا عن خطورتها على المحتفلين- هي خير إنذار للمتابعين عن بعد.

مجتمع المشهد دائماً وأبداً

صورة المازوت أهمّ من المازوت. هذه هي القاعدة في مجتمعٍ كمجتمعنا، مجتمع مشهد. ليست الإشكالية في أن يكون هناك محروقات إيرانية في السوق اللبناني، هذه أبسط البسائط في نظامٍ اقتصاديّ حر. إنّما الإشكال في الزاوية التي عُرِضت من خلالها هذه الخطوة، أمام المجتمع، كمشهد. فهل رأيتم المازوت من قبل؟

تسويق سمير جعجع: ضعف المعارضة لا قوّته

تمكّن سمير جعجع بالأدوات نفسها التي يستعملها حزب الله كان المشهد كافياً لإحراج الكثير من الأطراف السياسيّة فباستثناء معارضة القوّات لسلاح حزب الله معارضة هشّة من هذا النوع هي تحديد اً ما يفتح الطريق الفارق الكبير طبعاً في حجم القوّة والقدرة

عن خوض المعارضة للعمل البرلماني

أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.