الحرب القادمة بيننا
أخبار متفرّقة
بدأ المشكل بحادثة ثأر في حفل زفاف، طالت عضوًا في حزب الله، متّهماً بقتل الشاب حسن غصن خلال اشتباكات دارت بين حزب الله وعرب خلدة، منذ حوال السنة. في اليوم الثاني، تحوّل موكب التشييع إلى مناسبة جديدة لتجدّد العنف بين الطرفين، سقط جراءه 4 قتلى من حزب الله. وصف نصرالله في خطابه الأخير الكمين بالمجزرة، مطالبًا القوى الأمنية بحلّ جذري لمسألة الطريق المؤدي إلى الجنوب.
بعد انقطاع المازوت والبنزين، بدأ الغاز بالاختفاء من السوق. ومن المتوقع أن تنقطع المياه قريبًا مع الانقطاع المتزايد للكهرباء.
بدأ المشكل باعتراض «أهلي» لشاحنة تابعة لحزب الله، أطلقت صواريخها المقاومة من قرب بلدة درزية. تطوّر المشكل إلى مطاردات طائفية، امتدّت من صيدا إلى صوفر، وذكّرت بأبشع مراحل الحرب الأهلية، مرحلة الخطف على الهوية. وصف نصرالله في خطابه الأخير الحادثة بالأمر المُشين، مشيرًا إلى أن هذا الأمر له دلالات خطيرة.
قُتل ثلاثة أشخاص في حوادث متفرقة أمام محطّات البنزين في الشمال.
استكمل البطريرك الماروني هجومه «الحيادي» على حزب الله، ولاقته القوات اللبنانية، برفضها لسلاح حزب الله واحتقاره لقرار السلم والحرب، ليصبح الموقف المسيحي، بعد زوال الغطاء العوني، معاديًا لحزب الله. اعتبر رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» بـأننا لسنا أمام مجموعة لبنانيين أخذوا خيارا سياسيا خاطئا فحسب، وإنما نحن أمام مجموعة من العملاء …
قدّر البنك الدولي أنّ لبنان يحتاج إلى 12-19 عامًا لكي يتعافى من أزمته، وهذا إذا بدأت الإصلاحات اليوم.
بدأ الأمر باستخفاف بالانفجار واعتباره فرصة لفكّ الحصار، قبل أن يتطور إلى تشكيك خجول ومن ثمّ هجوم علني. أطلق نصرالله حكمه في خطابه الأخير: التحقيق القضائي في قضية انفجار المرفأ مسيّس ويخضع للاستنسابية ولا يعتمد فيه وحدة المعايير. لم تطل تحقيقات طارق بيطار مسؤولين من حزب الله كما لم تشر إلى دور للحزب حتى الآن. بيد أنّ الشكوك حول دور ما لحزب الله في استقدام النترات إلى لبنان بدأت تتزايد، وإن كانت ما زالت ظرفية الطابع.
أغلق أكبر مصنع للمصل أبوابه، ما ينذر بانهيار القطاع الصحي بأكمله.
…
عن حرب تدعى حزب الله
أخبارٌ متفرّقة لا يربط بينها إلّا أنها تقع جميعها في زمن الانهيار الكبير والعنف المتفلت. أخبارٌ كان يمكن فصلها إلى مقالين، لولا وقوعها جميعًا في الأسبوع ذاته والبقعة الجغرافية نفسها. أخبارٌ يشكّل تقاطعها مسارًا خطرًا، حيث يلتقي الانهيار العام مع العنف السياسي، لينذر بما يشبه اقتتالاً أهلياً على خلفية انهيار اجتماعي.
ضمن هذه الأخبار المتفرّقة، لاعب سياسي واحد يبرز، وهو حزب الله، الذي بات وحيدًا في وجه ما يشبه «الإجماع الأهلي» الممتعض من سيطرته الداخلية. كما بات يواجه وحيدًا حالة الاعتراض الداخلية، بعدما نصب نفسه كالمدافع الأساسي عما تبقى من نظام، أكان في هجومه على الثورة أو في وقوفه في وجه العدالة. قد لا يواجه حزب الله اليوم تحالفًا سياسيًا كالذي برز في الماضي، لكنّ هذا قد يشكّل نقطة ضعف وليس قوة للحزب. فهو اليوم يقف عقيمًا في وجه «إجماع أهلي» و«اعتراض مدني» و«تحوّلات داخلية»، لا يمكن تخوينها أو تفجيرها أو تهديدها أو اغتيالها.
يبد أن الخطورة تكمن هنا. فلم يعد هناك مسار سياسي داخلي يمكن أن يقف في وجه الانحدار العنفي الذي نعيشه. فلم يبقَ لحزب الله المعزول إلّا العنف كمخرج وهمي من ورطته، كما أنّه من المتوقع أن تتزايد حالات العنف التي ستأخد طابعًا سياسيًا وأهليًا متزايدًا مع الوقت. وعلى تقاطع هذين المسارين، يقع حزب الله، وهو الذي بات عنوان الحرب القادمة، مهما كان شكلها ومهما كانت أسبابها. وهذا ما يتحمّل حزب الله مسؤوليته، قبل خصومه.
إنّها حرب قادمة، ولكنّها صارت بيننا، في يومياتنا، على أبواب المستشفيات، في صواريخ حزب الله، بين طوابير البنزين، في البيوت المحرومة من الماء والكهرباء، في ضحكة نصرالله الصفراء، في انفجار المرفأ، في سكاكين القوات، في مخازن المحتكرين، في أروقة المصرف المركزي، في خوف الليل…
إنّها حرب تدعى حزب الله، ولكنّ مكوناتها باتت تفوق هذا العنوان، وقد تبتلعه بعد اندلاعها العلني.
الخروج من الحرب، مجدّدًا
إنّها حرب قادمة، وقد لا يكون من المفيد التكابر عليها.
فلا يمكن فصل ترابط هذه الأخبار المتفرّقة من خلال «خطاب سيادي» يتجاهل الإنهيار بإسم محاربته للسلاح، كما لا ينفع الهروب المدني أو اليساري إلى ماديات الانهيار لتجاهل الانقسام الأهلي، أو تجميع القضايا بسلة أعداء، تتزايد كل يوم. هذه الخطابات، مثلها مثل خطاب «إسقاط النظام»، باتت تنتمي إلى مرحلة ما قبل الحرب، إلى عالم الـ1507، إلى يوميات ما قبل الإنهيار.
هذا جمال الحرب، التي تقضي أيضًا على أسبابها، لتصبح تلك الخطابات، كمشكل القوات والشيوعي، تكثيفاً لعنف متزايد، معلب بخطابات خارجة عن الزمن.
دخلنا الحرب، وبات علينا التفكير بخطاب للخروج منها، ريثما يأتي النهار الذي ينفع فيه خطاب كهذا. التفكير بخطاب ينطلق من واقع الإنهيار المادي والانقسام الأهلي والعنف المجتمعي للخروج من الحرب القادمة. التفكير بخطاب «ثوري» لا يواجه «النطام» فحسب، بل «الحرب» التي ستعيد إنتاجه، حتى ولو مأزومًا ومعزولًا ومكروهًا. التفكير بخطاب يدرك أن «الحرب»، وهي توصيف ليوميات الانهيار والانحلال والعنف، هي المنطلق الواقعي لأي سياسة اليوم، للسياسة.
كيف تقاوم الحرب؟ سؤال قد يكون أصعب من سؤال إسقاط النظام.