جمهوريّة المتسوِّلين
- 860 مليون دولار من حقوق السحب الخاصّة في صندوق النقد.
- باخرتا محروقات إيرانيّتان، وثالثة على الطريق.
- أنابيب غاز مصريّة وخطوط كهرباء منتجة في الأردن بغاز مصري.
- 295 مليون دولار للبطاقة التمويليّة من أموال البنك الدولي التي كان يفترض أن تموّل شبكة النقل العام.
- 246 مليون دولار لتمويل شبكة الأمان الاجتماعيّ، لحماية الأسر الأكثر فقراً.
- 185 مليون دولار من قرض للبنك الدولي لمتعهّدي الجمهوريّة، مقابل فلش الزفت الانتخابي خلال الأشهر المقبلة.
ما ورد أعلاه هو كلّ ما تملكه الجمهوريّة اللبنانيّة اليوم من رهانات لتمويل متعهّديها وفقرائها وكهربائها وقطاعاتها الحسّاسة. وخارج إطار الرهانات الستّة أعلاه، والتي ينصبّ جلّها في إطار التسوّل من الخارج، لا يملك لبنان ما يطعم به شعبه أو يضيء بيوته، أو يشبع متعهديه النهمين للدولار الطازج في عز الانهيار.
- يمثّل بعض هذه المشاريع، كدولارات الزفت الانتخابي، حاجةً انتخابيّةً لجميع الأحزاب من دون استثناء، وباباً من أبواب السمسرة مع المتعهّدين. هنا سارت المشاريع دون أي عرقلة تُذكر.
- بعض المشاريع، كدولارات حقوق السحب في صندوق النقد، لم تأتِ بعد، لكنّها باتت باباً من أبواب التجاذب بين القوى السياسيّة المختلفة: هناك مَن يريدها للسمسرة في قطاع الكهرباء، وهناك من يريد استمرار دعم استيراد بعض المواد الأساسيّة.
- ما تعثّر حتّى اللحظة من هذه الرهانات الستّة، هو المشاريع التي تحاول الأحزاب السياسيّة التفاوض مع البنك الدولي على آليات تطبيقها، كدولارات البطاقة التمويليّة وشبكة الأمان الاجتماعيّ، والتي ترغب الأحزاب بتحريرها من أي ضوابط تمنع استخدامها لغايات الزبائنيّة السياسيّة.
- أخيراً، ثمة ما لم يأتِ بعد، لكنّه تحوّل إلى عنوان من عناوين «تحدّي الحصار الخانق»، كحال الغاز المصري أو المحروقات الإيرانيّة.
تتفاوت اليوم أهداف ووظائف التسوّل والمساعدات الخارجيّة هذه، كما تتفاوت معها طبيعة المستفيدين منها. لكنّ الأكيد هو أن انحسار الخيارات اللبنانيّة بهذا النوع من الحلول، وتحوّل الجمهوريّة اللبنانيّة إلى جمهوريّة متسوّلة، لم يكن مسألة عبثيّة. فمنذ بداية الأزمة، كان أقطاب الحكم يدفعون عند كل محطّة بهذا الاتجاه، لتفادي الحلول التي يمكن أن تمسّ بمصالحهم أو بأدوات نفوذهم المالي والسياسي.
المحطة 1
يوم كانت البلاد على شفير الانهيار قبل العام 2019، وفي الوقت الذي احتاج فيه النظام الاقتصادي إلى مسار من التصحيح الجذري، ذهبت خيارات السلطة إلى الرهان على مؤتمر سيدر. في ذلك الوقت، كان من الواضح أن المساعدات والقروض صارت مربوطةً بإصلاحات محدّدة وواضحة في كلّ قطاع من القطاعات المستهدفة بأموال المؤتمر، وهو ما أطاح ببرامج الاستثمارات المحددة في المؤتمر.
المحطة 2
بعد حصول الانهيار عام 2019، بات المطلوب الحصول على الدعم الخارجي لإنقاذ النظام المالي من ورطته. ولذلك، تمّ التعامل مع خطة الحكومة المستقيلة على أنها مجرّد باب من أبواب الحصول على قرض صندوق النقد الدولي. وما إن تبيّن لأقطاب الحكم أنّ هذه الخطّة ستتحوّل بعد التفاوض مع الصندوق إلى برنامج سيتمّ الحصول على الأموال على أساسه، تم تطيير الخطّة ومن ثم الحكومة نفسها. فالخطّة التي تلاءمت مع الخطوط العامّة لرؤية الصندوق، ذهبت بعيداً في موضوع معالجة الخسائر، إلى الحدّ الذي هدّد مصالح النافذين في النظامَيْن السياسي والمالي.
المحطة 3
الفرصة الأخيرة التي بدت سانحة أمام النظام السياسي لإعادة تعويم نفسه، جاءت بُعيد انفجار المرفأ. قامت المقايضة بين الرئيس الفرنسي ورموز النظام على تقديم الغطاء الدولي للحكومة المقبلة، وفتح أبواب المساعدات، مقابل التزام هؤلاء ببعض الشروط الإصلاحيّة. فرصة التسوّل هذه سقطت لاحقاً بعدما تبيّن أنّ الأجندة التي تحملها فرنسا، والتي تبنّاها الاتحاد الأوروبي لاحقاً، لم تبتعد كثيراً عن الشروط التي طرحها صندوق النقد.
في كلّ هذه المحطات، كان المطلوب استجداء الدعم الخارجي، دون الالتزام بأي شروط تصحيحيّة يمكن أن تمسّ كتلة المصالح العميقة في النظام. وفي المحصّلة، سقطت كل تلك المحاولات، ولم يتبقَّ أمام المجتمع إلا أبواب المساعدات الضيّقة التي لا تُلزم النظام السياسي بأي إصلاحات. ما نشهده اليوم من حصر الخيارات بهذا النوع من المساعدات، ليس إلا مجرّد نتيجة لهذا المسار.