ثلاثيّة الحكومة الجديدة: شرشحة، ممانعة، عهد

حكومة ما بعد الشرشحة

طال الانتظار أكثر من سنة، سنة انهار خلالها البلد ودُمّرت أساساته، على وطأة خلافات سخيفة بين قوى سياسية وزيارات دورية لبعبدا ومبادرات فرنسية فارغة. ونتيجة هذا الانتظار الطويل، جاءت حكومة محسوبيات ونصّابين، تمزج بين هبل منظّر «البامبرز» وحربقة مَن تقاضيه شركته السابقة وأزلام المنظومة، متوّجةً بوزير إعلام قد يكون صاحب لقب أكبر لحّيس نعال لطغاة المنطقة.

أمّا رشّة «التكنوقراط» الخفيفة، ممّن لا يزال طامحاً للقبٍ حتى بعد بهدلة التكنوقراط الأكبر حسّان دياب، فلن تُغيّر من طعم هذه الحكومة، بل تجعل من أولئك التكنوقراط شركاء حتمًا بجرائمها المقبلة.

طال الانتظار وكانت النتيجة مخيبة للآمال، كما كان من المفترض أن تكون. فمن الإنجازات الأولى لهذه الحكومة أنّها استطاعت أن تبيّض صفحة حكومة البروفيسور التي باتت تبدو رصينة وجدّية مقارنة بحفنة المساطيل التي ابتلينا بها. العزاء الوحيد أنّها لن تحكم. فمن شكّلها، من أحزاب وسفارات ومصارف ومؤسسات دوليّة، هو من سيحكم. الحكومة مجرّد أضحوكة، تشكّل مادة دسمة للمزاح والتنكيت على الواتس أب. أكثر من ذلك، لا دور لها مهما تخيّل أعضاؤها السذّج.


رأي عام بطعم سعر الصرف

رغم التشكيلة الحكومية المبهدلة، انتصرت المنظومة. أو بالأحرى، انتصرت لأنّ التشكيلة مبهدلة. فبرهنت أنّها غير مبالية برأي عام، مهما كان ضئيلًا، لا تحتاج إلى إرضائه بأي وزير قد يحظى ببعض الثقة. فمعيار الثقة الوحيد الذي يهمّها هو سعر الصرف، المتلاعب به. انخفض سعر الصرف، وهذه من علامات الرضا.

لم تحاول المنظومة كسب هذا الرأي العام، لا لكونها تدرك أنّها لن تستطيع كسبه بظل الأزمة فحسب، بل لأنّها قرّرت أنّ تحكم من خلال علاقة ازدرائيّة مع الناس. فالتشكيلة الحكومية المبهدلة ليست خطأ أو فشلاً. إنّها طريقة حكم، تقوم على إذلال الناس من خلال فرض حكومة كهذه عليهم. الحكم من خلال الإذلال هو الحكم من خلال حفنة المساطيل هذه، وفرضها كالحد الأقصى لما يستحقّه الناس في ظل أعمق أزمة تمرّ فيها البلاد.

تعريف الإزدراء هو دموع ميقاتي على الفقراء، هو الفاسد الذي تمتدّ صفقاته من مصرف الإسكان في لبنان إلى قطاع الاتصالات في ميانمار، هو الملياردير الذي يمثّل أفقر المدن في المتوسّط، هو رجل الأعمال الذي راكم ثروته من خلال سرقة قطاع الاتصالات في لبنان.


العهد بدل المنظومة

البهدلة لا تعني التقاعس السياسي. فمَن وراء هذه الحكومة قرّر أن يحكم الآن بعد ضيعان وقت كان عنوانه حسّان دياب. فبعدما تمّ تحميل هذا الأبله ثمن رفع الدعم ومسؤولية الأزمة وانفجار المرفأ، آتت حكومة العهد لتقطف ثمن هذه السنة من التضحيات، محمولة بعدد من الصفقات، من الغاز المصري إلى النفط العراقي، مرورًا بالسفن الإيرانية وأموال صندوق النقد الدولي.

هذه ليست حكومة المنظومة، هي حكومة العهد، حكومة كُتِبت الغلبة فيها لحزب الله وميشال عون. فالكلام عن ثلث معطّل بات خارج السياق، ومن رواسب حكومات «الوحدة الوطنية» المتعدّدة الأطراف. الكلام عن المنظومة بات أيضًا بحاجة لتدقيق. فالمنظومة تتحرّك اليوم على أرضية العهد الممانع الذي أخذ على عاتقه إعادة ترميم النظام والاستفادة من أزمته لإعادة تموضعه.

«حرب الإلغاء» التي شنّها عون على شعبه نجحت، ليتّضح أنّ لهذه الأزمة مغزًى سياسيًا، وهو فرض العهد على المنظومة كحاكمها النهائي.

الحصار أو عندما يتسوّل السيّد

تشكّلت الحكومة بعد أشهر من التصاريح عن حصار مزعوم تفرضه دول العالم بأكملها، باستثناء دول الممانعة. وكان حسن نصرالله على رأس هذه الحملة، من خلال إطلالته المتلفزة التي باتت أقرب إلى هلوسات ممانع فقدَ أي علاقة مع الواقع. كالعادة عند أرباب الممانعة، ليس هناك أي تناقض بين حصار خانق ومباركة أميركية لغاز مصري يمرّ من سوريا، أو حصار قاتل ومباركة فرنسية لتشكيل حكومة حزب الله، أو حصار قاهر وأموال صندوق النقد. قد نكون الدولةَ المحاصرة التي نالت أكبر حصّة من العناية الدولية.

لكنّ ما يتّضح مع تشكيل هذه الحكومة أنّ نظرية الحصار ليست إلّا الغطاء لتسوّل السيّد عند دول الغرب، تسوّل يقوم على ابتزاز هذا الغرب بمعاناة الناس هنا. فلم يفكّ الحصار على لبنان إلّا بعد فكّ الحصار عن نظام البراميل، ليتبيّن أيضًا أنّه كان هناك هدف إقليمي من وراء هذه الأزمة، هو عودة نظام البعث إلى طاولة المفاوضات.


حكومة ذلّ بطعم الممانعة، هدفها ثلاثيّ الأبعاد: تمكين العهد داخليًا، وتعويم نظام الممانعة إقليميًا، والاستفادة من الأزمة لإعادة التفاوض على بنية المافيا الحاكمة. أمّا السلاح، فواحد: أزمة تأديبيّة خانقة لن تمحو دموع ميقاتي حقيقتها، حقيقة أنّ جوهرها وشروط إمكانيتها هي عملية التجويع التي تعرّض لها الناس.

تسويق سمير جعجع: ضعف المعارضة لا قوّته

تمكّن سمير جعجع بالأدوات نفسها التي يستعملها حزب الله كان المشهد كافياً لإحراج الكثير من الأطراف السياسيّة فباستثناء معارضة القوّات لسلاح حزب الله معارضة هشّة من هذا النوع هي تحديد اً ما يفتح الطريق الفارق الكبير طبعاً في حجم القوّة والقدرة

عن خوض المعارضة للعمل البرلماني

أمّا إذا تمكّن طرفٌ ناشئ من إضعاف قوّة هذه الأحزاب في البرلمان إضعافاً مُعتبراً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيله، عبر استعمال النظام لأدوات الهيمنة التي يحوزها.