الطَّور الثاني قبل «القبع»
لقد عشنا إلى هذا اليوم لنشهد على صدور مذكّرة توقيف من قاضٍ لبنانيّ بحقّ علي حسن خليل، اليد اليمنى لنبيه برّي. أُمعِن النظر في مذكّرة التوقيف الغيابيّة كأنّما هي قصيدةٌ مكتوبةٌ بماء الذهب:
مرّةً بعد أخرى، أعود إلى أسفل المذكّرة، وأقرأ: الجمهوريّة اللبنانيّة. المجلس العدلي. المحقّق العدلي. التوقيع: طارق بيطار.
لم تمرّ مذكّرة التوقيف على خير. فالتهديدات التي أطلقها أمين عام حزب الله، أمس، بدأت تعطي ثمارها. نفد صبر نصر الله من «هيدا القاضي». وكان صبره قد نفد من القاضي الذي سبقه. وهو نافد من زمان من التحقيقات الدولية التي أبعِدت منذ الأيّام الأولى بعد الانفجار. لذلك، ناشد نصر الله مجلس القضاء الأعلى ومجلس الوزراء أن يفعلا شيئاً للتخلّص من «هيدا القاضي». فالحلّ الأنسب، للسيّد، هو دائماً من داخل المؤسّسات. لا تجبروه على التصرّف من خارجها.
وصلت الرسالة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، فأحال طلب الردّ الذي تقدّم به النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر إلى قاضٍ مختلف عن القاضي الذي سبق له أن رفض طلباً مماثلاً قبل يوم واحد. كفّت يد طارق بيطار موقّتاً عن الملف، ريثما يُبَتّ بالطلب.
وصلت الرسالة أيضاً إلى مجلس الوزراء الذي لا يملك أيّ صلاحيّة للمسّ بالقاضي بيطار. لكنّ وزراء حزب الله وأمل والمردة أصرّوا، على ما يبدو، على بحث كيفيّة استبدال القاضي قبل أن ينصرفوا إلى تقاسم ما تبقّى من موارد قابلة للنهب.
من المرجّح أن تستمرّ الدعاوى والطلبات لعرقلة التحقيق وتعليقه، وصولاً إلى عودة مجلس النوّاب إلى نشاطه ومحاولته سلب صلاحية التحقيق والمحاكمات. فقد سبق لمسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا أن حدّد لنا التقويم الزمنيّ للتعامل مع القاضي طارق بيطار. رسالة شفويّة كانت كافية لتقسيم زمننا إلى ثلاثة أطوار:
الطور الأوّل: واصلة معنا منّك للمنخار.
يكفي أن تصل هذه الرسالة من حاج الارتباط والتنسيق لأيّ قاضٍ أو مسؤول حتّى تسكّ ركبه. لا حاجة للتفصيل أو الشرح أو تعداد الأسباب. حين تصل «للمنخار» عند الحاج، يعرف الشخص المعنيّ أنّ عليه أن يتنحّى أو يغيّر سلوكه أو يختار لنفسه مهنةً أخرى. لكنّ الرسالة، في طورها الأوّل، لم تلقَ التجاوب المطلوب من القاضي بيطار الذي نُقل عنه ردّه بكلمةٍ واحدة: بيمون.
الطور الثاني: رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني.
هذا هو الطور الذي نعيش فيه الآن. طور اعتماد المسار القانوني للتخلّص من القاضي بيطار. أطلقت رسالة صفا صفّارة البداية لسيل الخطوات القانونيّة التي بدأ المدّعى عليهم القيام بها. شهدت هذه المرحلة طلبات ردّ عديدة، ودعاوى ارتيابٍ مشروع، واستعانة بخبراء من الخارج، وروسيكلاج لخبراء من الداخل كانت الجهات نفسها قد استخدمتهم في وجه المحكمة الدولية بعد اغتيال رفيق الحريري. ثمّ جاءت كلمة الأمين العام لحزب الله لتضيف ضغطاً على مجلس القضاء الأعلى والحكومة اللبنانيّة لاتّخاذ إجراء ينهي الكابوس الذي افتتحه القاضي المزعج.
الطور الثالث: وإذا ما مشي الحال رح نقبعك.
هنا تختلف التقديرات حول وسائل هذا القبع، وما إذا كان قبعاً من المهمّة أو من القضاء أو ممّا هو أبعد من ذلك. في جميع الأحوال، لا تزال الأمور في الطور الثاني، وسيسعى حزب الله لليّ عنق كلّ القوانين لإنهاء المسألة قبل الوصول إلى آخر الدواء، أي «القبع».
علي حسن خليل ليس علي حسن خليل. ليس ذاك الرجل المولود العام 1964، اللبنانيّ الجنسيّة، والذي تدعى أمّه توفيقة. علي حسن خليل هو أحد الأسماء الصُّغرى لحقبةٍ بكاملها. حقبةٌ بدأت بقانون عفو عام، وامتدّت لتنهب البلد على مدى ثلاثة عقود. وعلى ضفاف النهب، نما مجرمون قاموا بأفعالٍ كثيرة انتهت بغيمةٍ عملاقة وكثير من الزجاج. قال أحدهم إنّه «سمٌّ في الهواء».