كلبٌ-كلابٌ-تكالبٌ… وقاضٍ عنيد
لمن كل هذه الدماء؟
من يجلس خلف الشاشة ويلعق هذه الدماء كلّما سقطت ليشبع؟
لا أعتقد أن علي حسن خليل، الذي يرتدي ساعةً تساوي 1,800 مرّة الحدّ الأدنى للأجور، يستأهل أن يُقتَل 6 أو 7 أشخاص كُرمى الدفاع عن مشاعره. ولا جعجع، في معرابه العاجيّ، يستأهل أن يُرعَب أطفال الفرير كُرمى مغامراته السياسيّة والنقاط التي يُسجّلها على ظهر كل قضيّة محقّة.
«ميني حرب أهلية» اليوم لم تكن اليوم. بدأت منذ زمن، في يومِ أحدٍ عادي، واستمرّت. لكن بشكلٍ خاص، ربطاً بقضية المرفأ التي يتناتشها الطرفان، الـ«ميني حرب أهلية» بدأت ما إن أثبت القاضي طارق بيطار شجاعته، لتبلغ التعبئة الطائفية أوجّها بين طرفين تكالبا على بعضهما، ثم تكالَبا بين بعضهما علينا، ليرتكبا ما ارتكباه من بشاعاتٍ بحقّنا: القوّات اللبنانية وحزب الله. حزب الله والقوّات اللبنانية.
الشعب – يريد – 7 أيّار جديد
تُرَدَّد هذه الكلمات على وقع «الشعب يريد إسقاط النظام». وهاكم، بهذه البساطة أصبح عندكم حدود اللعبة واللاعبين: من يرى في يومِ سقوط الدولة يوماً مجيداً، وأولئك الذين أرادوا تغيير هذا النظام القبيح.
تغيير النظام: عبارة صغيرة صارت بُعبُعاً. يقول الفار من وجه العدالة علي حسن خليل: قال بدّه يغيّر النظام […] القاضي بيطار بدّه الروس الكبيرة. ثم تجحظ عينا خليل، هو الآن بلا حصانة، مثلي، مثلك، مثل من قُتلوا في 4 آب. الطريف أنّ خليل يقول ما يقوله من موقع مذمّة القاضي، في حين أنّ تلك هي أكثر مهام المرحلة ثوريةً: تطيير الرؤوس الكبيرة.
نوع الجرم وماهيته: القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي.
التوقيع والختم: قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار.
كانت هذه الورقة وأسطرها القليلة كفيلة بإخراج أحقَر ما فيهم. تخطّى بيطار مرحلة «الوحش» عندما بقي على عزمه بعدما حكّ وفيق صفا أنفه في قصر العدل. فكانت الصدمة: بيطار لم يُقبَع. كان على الأخ الأكبر أن يتدخّل، أن يهزّ سبابته على الشاشة.
تدخّل، وهزّ السبابة، ورمى قنابله الدخانية ليخلق مأزقاً سياسيّاً جديداً: فلتتصرّف الحكومة.
- هل يحقّ لمجلس الوزراء أن يكفّ يد أو يعزل المحقّق العدلي؟
- كلا بالمطلق. أوّلاً هناك مبدأ فصل السلطات. ثانياً لا سلطة لمجلس الوزراء على المحقّق العدلي […] ثالثاً دور مجلس الوزراء واحد ووحيد بالموضوع: إحالة الجريمة على المجلس العدلي. ولا دور للحكومة بعد ذلك.
أتساءل أحياناً، هل يجهل السيّد القانون فعلاً؟ تصيبني حيرة. فهو، من جهة، لم يتعرّف يوماً على القانون، فلا بد أنّه يجهله. لكن، من جهة أخرى، تربطه علاقة وطيدة بالمؤسّسات القضائية. فيومَ شعرَ بالسخن، بعث بموفدٍ إلى قصر العدل، وحكّ هذا الموفَدُ منخاره عند مدّعي العام التمييز غسّان عويدات، وتلقّف الجميع حكّة الأنف هذه، أوّلهم نهاد المشنوق، خصم الحزب.
لا أعلم إن كان من «اللذيذ» أن أكتب هذا هنا، لكن ما همّي. أحياناً تراودني صورة بصرية عن التطوّر التاريخي لمقولة وفيق صفا «واصلة معنا منك للمنخار، رح نقبعك»: وفيق صفا يحكّ منخاره، فيأتي المشنوق ويلعق مِخاطَ صفا من على طاولة عويدات في قصر العدل. ثم يعود المشنوق إلى مكتبه ويبصق مِخاط صفا على الوجوه الأثرية التي سطا عليها من تدمر، ثم يطلب من تابِعِه الإعلامي أن يعلك هذا المخاط، وأن يبصق الأخير المِخاط على مواقع التواصل الاجتماعي، فتأتي النتيجة بهذا الشكل: «شامم ريحة دم؛ ليربح المجتمع المدني الانتخابات بدو شهيد كبير #الله_يستر».
أصبح هذا القاضي المسكين شهيداً سنقدّمه على مذبح الانتخابات النيابية. أو ربّما تغتاله إسرائيل بظروفٍ غامضة. من يعلم.
مسكين هذا القاضي، لم يمتثل لإصبع السيّد، فصار مشروع فتنة.
مسكين هذا القاضي، يداوم في مكتبه في قصر العدل فصار تهديداً للسلم الأهلي.
مسكين هذا القاضي، أصدر مذكّرة توقيف بحق مُدّعى عليه، فصار يستهدف مشروع المقاومة في الإقليم.
مسكين هذا القاضي. مسكين. هاهاها. يضحك السيّد، ولا يجد سوى التهويل أو السخرية لرفع الشبهات عن نفسه.
رصّوا الصفوف فالجميع قد تكالب علينا.
(من دعوات التجمّع الذي أُقيمَ اليوم أمام قصر العدل).
تكالب الجميع عليهم. فعلاً. التكالُب، والفعل يتكالَبُ، والإسمُ كلبٌ. ومع أنّ الكلبَ حيوانٌ مُفيد عموماً، إلّا أنّ صفة التكالب تأتي دائماً بصيغة المَذَمّة. «الجميع قد تكالب علينا»، ايه والله.
نحن من تكالبنا. نحن اجتحنا ساحات 17 تشرين واعتدينا على المتواجدين فيها. نحن حرقنا الخيَم. نحن خوّنّا ونحن اتّهمنا بالعمالة. نحن قمنا بـ7 أيّار، ونحن هدّدنا بتكرارها اليوم، ونحن رمينا القذائف بين الأحياء السكنية. نحن عرقلنا الحكومة كرمى عيون وزير المالية الشيعي. نحن كتبنا مقالات التعبئة على التحقيق. نحن أتَينا بالنترات! … نحن فجّرنا المرفأ!